للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وأما الإنكار عليها من جهة مباشرتها) فيراعى فيه قواعد التحريم وأدلته، فإن كانت مما يندرج في محرم إجماعًا أو بنص ظاهر أو بقياس جلى وجب إنكارها مع مراعاة التفصيل الذى علمته في كلام الإمام الغزالى، وإلَّا فحالها حال المحرم المختلف فيه، وقد عرفت أنه إنما ينكر وجوبًا إذا علم أن المباشر له يعتقد حرمته بأن أخبر بذلك، وإلَّا فإنكارها على سبيل الندب.

هذا من حيث الإنكار، وأما من حيت المعاملة والآداب فالمبتدع العاصى بفعله تارة تكون بدعته ممَّا يتأذى بها غيره في دنياه كالمكوس والمظالم المحدثة، وتارة يتضرر بها الغير في دينه كأن ابتدع بدعة محرمة ثم هو يدعو الناس إليها ويهيئ لهم أسباب مباشرتها، وتارة تكون قاصرة على نفسه.

القسم الأول: وهو أشدها، ما يتضرر به الناس، فالأولى الإعراض عن مبتدعيه وترك مخالطتهما ومقاطعتهما في المعاملة؛ لأن المعصية شديدة فيما يرجع إلى إيذاء الناس، وفى هذا القسم أنواع متفاوتة في الإيذاء فمنها ما يتعلق بالدماء، ومنها ما يتعلق بالأموال، ومنها ما يتعلق بالأعراض.

القسم الثانى: ما لا يؤذى الناس في دنياهم ولكن يختلس بفعله دينهم وإن كان على وفق رضاهم فهو قريب من الأول ولكنه أخف منه، فإن المعصية بين العبد وبين مولاه إلى العفو أقرب، ولكن من حيث أنه متعد على الجملة إلى غيره فهو شديد، وهذا أيضًا يقتضى الإهانة، والإعراض، والمقاطعة وعدم إجابة السلام، إذا ظن أن فيه نوعًا من الزجر له أو لأمثاله.

القسم الثالث: ما يفسق به المبتدع في نفسه ولا يتعدى شرُّه إلى غيره، فالأمر فيه أخف (وبالجملة) هذا مبحث طويل الذيل، فإن أردت المزيد فيه فارجع إلى ما ذكره حجة الإسلام الغزالى في "الإحياء" في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وما ذكره الإمام الماوردى في آخر كتاب "الأحكام السلطانية"، وما ذكره شتى الإسلام ابن تيمية في كتاب "الحسبة"، والله تعالى يتولى رشادك.

* * *

<<  <   >  >>