لا يزال يزداد به حتى يخرجه إلى حيث السفه ويحول بينه وبين نور الإسلام وهو لا يشعر.
ومن غوائل الوسواس أن يخرج بالإنسان عن اتباع رسول - صلى الله عليه وسلم -، ويخيل إليه أن ما جاءت به السنة لا يكفى حتى يضم إليه غيره، فيرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو اغتسل كاغتساله لم يطهر، فقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، والموسوس يرى أن هذا القدر لا يكفيه لغسل يديه،
وصح عنه أنه توضأ مرة مرة ولم يزد على ثلاث، وأخبر أن من زاد عليها فقد أساء وظلم. فالموسوس يتقرب إلى الله بما هو مسئ به متعد فيه لحدوده، ومضى على هذا السلف الصالح، فعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه:"إنى لأستنجى من كوز الحب وأتوضأ وأفضل منه لأهلى"، وقال الإمام أحمد رضي الله عنه:"من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء".
منشأ هذه البدعة تلبيس الشيطان على من ابتلى بها وتصويره المذموم عند الشارع يصورة الممدوح فخيل إليه أن الغلو والإسراف في الدين احتياط واجتهاد فيه، وأن الوسواس أخذ باليقين وطرح للشك عملًا بحديث:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وحديث:"فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه" وقد أمر عليه الصلاة والسلام من شك في صلاته أن يبنى على اليقين، ووجد تمرة مسقوطة فقال:"لولا أنى أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها". فمن هنا يزعم الموسوس أن عمله هذا ليس فيه خروجًا عن الشريعة، وأن غيره تساهل في الدين مع أنه مهمل لدينه يدخل فيه بشك ويخرج منه به.
ولإبطال هذا التلبيس نقول هنا أمران:
(أحدهما): وهو الاحتياط في الدين والأخذ باليقين ممدوح شرعًا بما ذكر من الأحاديث.
(ثانيهما): مذموم شرعًا وهو الغلو في الدين وتعدى حدوده والإسراف فيه، قال تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}(١). الغلو: تجاوز الحد، والآية