للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالثة: البدعة المباحة: وهى ما تناولته قواعد الإباحة وأدلتها من الشرع.

(ومنها): اتخاذ المناخل للدقيق (ففى الآثار) أن أول ما أحدث الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة أشياء: المناخل والشبع (١) وغسل اليدين بالأشنان بعد الطعام، والأكل على الموائد؛ لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله كذلك.

قال حجة الإسلام الغزالى: واعلم أنا وإن قلنا الأكل على السفرة أولى فلسنا

نقوق الأكل على المائدة منهى عنه نهى كراهة أو تحريم إذ لم يثبت فيه نهى، وما يقال إنه أبدع بعد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فليس كل ما أبدع منهيًّا عنه، بل المنهى بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب، وليس في المائدة إلَّا رفع الطعام عن الأرض لتيسير الأكل وأمثال ذلك مما لا كراهة فيه. والأربع التى جمعت في أنها بدعة ليست متساوية، بل الأشنان حسن لما فيه من النظافة، فإن الغسل مستحب للنظافة. والأشنان أتم في التنظيف، وكانوا لا يستعملونه لأنَّه ربما كان لا يعتاد عندهم أو لا يتيسر أو كانوا مشغولين بأمور أهم من المبالغة في النظافة فقد كانوا لا يغسلون اليد أيضًا، وكانت مناديلهم أخمص أقدامهم وذلك لا يمنع كون الغسل مستحبًّا.

وأما المنخل فالمقصود منه تطييب الطعام وذلك مباح ما لم ينته إلى التنعم المفرط، وأما المائدة فتيسير للطعام وهو أيضًا مباح ما لم ينته إلى الكبر والتعاظم.

وأما الشبع فهو أشد هذه الأربعة، فإنه يدعو إلى تهييج الشهوات وتحريك الأدواء في البدن، فلتدرك التفرقة بين هذه المبتدعات. والسفرة اسم لقطعة من الجلد ونحوه يوضع عليها الطعام عند التناول، والمائدة الكرسى الذي يوضع عليه الطعام أيضًا. والخوان بالكسر ويضم وهو المائدة يعتاد بعض المترفين الأكل عليه احترازًا من خفض رءوسهم، فالأكل عليه بدعة لكنها مباحة وذكر الإمام الغزالى أيضًا أن من آداب الأكل أن يوضع


(١) قالت عائشة رضى الله عنها: "أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم" رواه البخارى في كتاب الضعفاء، وسمن بابه طرب وجمح من باب خضع وهو صريح في أن الشبع بدعة محدثة وسيأتى أنه بدعة سيئة.

<<  <   >  >>