الفصل الثانى في بِدَع المقَابِر والأضرِحَة وزيارة القُبُور
اعلم أن بدع المقابر والأضرحة كثيرة، وقد طال فيها كلام العلماء وأفردت بالتآليف، ونحت نذكر لك من هذه البدع الأهم فالأهم، سالكين سبيل الاعتدال متجنبين إن شاء الله تعالى طرفى الإفراط والتفريط فنقول:
(من هذه البدع) اتخاذ الناس المقابر والأضرحة موسمًا من مواسمهم وعيدًا من أعيادهم يشدون إليها الرحال كما تشد لزيارة بيت الله الحرام ويبيتون عندها الليالى ذوات العدد وهناك تصنع ألوان الأطعمة وتذبح الذبائح وتنصب ملاعب الصبية وتقام أسواق الباعة.
وأعياد المقابر أسبوعية لهم فوق ذلك عادات في المواسم الشرعية من عيد الفطر والأضحى وأول رجب، ولغالب الأضرحة مواسم وأعياد أسبوعية خلاف الموالد تسمى بالحضرة كليلة الثلاثاء ويومه للإمام الحسين رضي الله عنه، وليلة السبت ويومه للإمام الشافعى رحمه الله، وهكذا لكل ولى عندهم وقت معلوم تجتمع فيه العامة والخاصة من الرجال والنساء ومعهم الأطفال لزيارته على الوجه المعروف.
وهذه البدعة ورد النهى عنها صريحًا مع ما ينشأ عنها من الشرور والمفاسد، فمن ذلك ما روى أبو داود وغيره عن أبى هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ولا تجعلوا قبرى عيدًا وصلوا على أينما كنتم، فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم"، وعن سهل بن أبى سهيل قال: رآنى الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب رضي الله عنه عند القبر، فنادانى وهو ببيت فاطمة يتعشى فقال: هلم إلى العشاء فقلت: لا أريد، فقال: ما لي رأيتك عند القبر، فقلت: سلمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لذا دخلت المسجد؟ ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا بيتى عيدًا ولا بيوتكم مقابر وصلوا علىّ فإن صلاتكم تبلغنى حيثما كنتم" فما أنت ومن بالأندلس إلا سواء منه عليه الصلاة والسلام. رواه
سعيد بن منصور في سننه، وإذا ثبت هذا بالنسبه إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد القبور وأفضلها فقبر غيره أولى بالنهى كائنًا من كان.