للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَوعُ المعَاملات:

(وأما نوع المعاملات) فقد سن للناس فيها قوانين عامة وقواعد كلية؛ لأن لها جزئيات تتجدد بتجدد الأيام، وتتغير برقى الأمم والشعوب، فلا يتيسر لهما تحديدها بكمية ولا كيفية، فقضت مشيئة الله عزت قدرته وجلت حكمته أن يكون لها من القواعد الكلية والأدلة العامة ما يكون مرجعًا لها وميزانًا تعرض عليه، فإن كانت تلك المعاملة مما تقبلها هذه القواعد والأدلة المأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتندرج تحتها فهى مشروعة، وإن كانت لا تقبلها ولا تندرج تحتها كانت غير مشروعة، ومخالفة للشارع ومعاندة له.

فمن هذه القوانين العامة قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (١) فإنه جلَّ ثناؤه حرم على الناس بهذا الأصل أن يأخذ بعضهم مال بعض بغير مقابل شرعى وهو يعم جميع الأموال، وكل ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكول بالباطل وإن طابت به نفس مالكه كأجر البغى، وحلوان الكاهن، وثمن الخمر، وأجر ضراب الفحل، والمأخوذ بحكم القاضى مستندًا في حكمه إلى شهادة زور أو يمين فجور، فكل هذا لا يحل أخذه فإنه من أكل أموال الناس بالباطل. والكاهن الذى يدعى علم الغيب ويخبر عن الأمور المستقبلة ويدعى معرفة الأسرار (الضمائر)، ومثله: المنجم والعراف والرمال وضراب الحصا، فكل هؤلاء لا يحل لهم ما أخذوه ولايجوز تصديقهم كما سيأتى ذلك مفصلًا في بدع الاعتقادات.

ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (٢) فإنها من إمهات الآيات المشتملة على كثير من الأحكام الشرعية، والخطاب فيها يعم جميع الناس في جميع الأمانات ويدخل فيه الولاة دخولًا أوليًا فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات، ورد المظالم وتحرى العدل في أحكامهم، ويدخل فيه غيرهم فيجب عليهم رد ما لديهم من الأمانات، والتحرى في الشهادات والأخبار، وكتمان الأسرار.

ومنها قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: "لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه والدارقطى وغيرهما فهو يحرم جميع أنواع الضرر قل أو كثر؛


(١) [سورة البقرة: الآية ١٨٨].
(٢) [سورة النساء: الآية ٥٨].

<<  <   >  >>