للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبهة فيتخذ ذلك الزلل شرعًا ردينًا يدين به -أفاده في "الاعتصام" هو كما ترى مبنى على ما جرى عليه من قصر البدعة على الحادث المذموم بقيد أن يكون إحداثه على أنه دين وشرع -وسيأتى تحقيق هذا إن شاء الله تعالى.

[شرح حديث كل بدعة ضلالة]

(عن أبى نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبالحاء المهملة (العرباض) بكسر المهملة وموحدة أصله الطويل ثم جعاى علمًا (ابن سارية) السلمى بضم ففتح من بنى سليم بن منصور، صحابي من أهل الصفة وهم كما قال الإمام النووي رحمه الله: زهاد من الصحابة، فقراء غرباء كانوا يأزون إلى مسجد رسول الله صلى الله: عليه وآله وسلم، وكانت لهم في آخره صفة وهى مكان منقطع من المسجد مظلل عليه، يبيتون فيه وكانوا يقدون ويكثرون، ففى وقت كانوا سبعين وفى وقت غير ذلك. نزل الشام وسكن حمص، وكان من البكائين الذين نزل فيهم قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (١) رضي الله عنهم.

وجملة الأمر أن أهل الصفة قوم من فقراء المهاجرين وهبوا أنفسهم لحفظ القرآن والخروج مع السرايا ولم يكن لأكثرهم مأوى لذلك كانوا يقيمون في صفة المسجد وهى موضع مظلل منه فالصفة كالظلة لفظًا ومعنى.

ولمَّا ولى عمر الخلافة أخرجهم من المسجد وأمرهم أن يحترفوا ويعملوا محتجًا بأن الله تعانى قد وسع على المسلمين وأصبح الجاد فيهم يجد فوق ما يكفيه.

"قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" من الوعظ وهو النصح والتذكير بالعواقب، يقال: وعظته فاتعظ، أي قبل الوعظة فأثرت فيه وأفادت (موعظة) مصدر ميمى ذكرها توطئة لما بعدها وكانت بعد صلاة الصبح لما في رواية الترمذى: "وعظنا رسول عنه صلى الله عليه وآله وسلم يومًا بعد صلاة الغداة

موعظة يليغة" بالغ فيها بالإنذار والتخويف لأجل توفيق القلوب، وكان صلوات الله وسلامه عليه يعظ أصحابه في غير الجمع والأعياد امتثالًا لقوله تعالى: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} (٢): أي في معنى


(١) [سورة التوبة: الآية ٩٢].
(٢) [سورة النساء: الآية ٦٣].

<<  <   >  >>