لم يكن خصوصية لوقع من بعضهم ولو نادرًا عتمادًا على أنه المشروع أو حيث تنتفى العلة الموجبة للامتناع.
وفى الحديث عن ابن شهاب ما يدل على أن الأولى ترك هذا التبرك وأن يتحرى الإنسان ما هو أحرى وأوكد من وظائف التكليف، قال: حدثنى رجل من الأنصار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أو تنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا جلودهم، فلما رآهم يصنعون ذلك سألهم لم
تفعلون هذا؟ قالوا: نلتمس الطهور والبركة بذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان منكم يحب أن يحبه اللَّه ورسوله فليصدق الحديث وليؤد الأمانة ولا يؤذ جاره" انتهى بتصرف.
ولا يخفى على المتأمل المنصف أنه لا سبيل إلى دعوى الخصوصية إذ لا دليل عليها كما اعترف هو بذلك ولا يكفى فيها الاحتمال لأنها خلاف الأصل.
* * *
[الكلام مع الإمام الشاطبى ومناقشته]
والذهاب إلى أن الصحابة ومن بعدهم تحاشوا مثل هذا التبرك سدًّا للذريعة إلى آخر ما سبق غير وجيه، لما هو معلوم في الأصول من أن التمسك بسد الذرائع في المنع من الشئ حيث ثبتت مشروعيته لا ينهض إلا بعد ثبوت دليل خاص يرشد إلى أن الشارع اعتبر في ذلك الشئ بخصوصه سد الذريعة، ولا يكفى اعتباره سد الذريعة في الجملة، حيث ثبت أيضا أنه لها يعتبرها في كثير من الذرائع ذلك هو أيضًا في كتاب "الموافقات".
والقياس على ما نهى عنه الشارع دون ما لم ينه عنه تحكم باطل، وأيضًا من شروط القياس إبداء الجامع ليتسنى للخصم الاعتراض عليه بالفارق، وأنى للمانعين أن يهتدوا إلى الجامع، بعد ما علمت من أن الشارع لم يمنع في كثير من الذرائع، فالتبرك بالآثار قد ثبتت مشروعيته بما وقع من الصحابة معه صلى الله عليه وآله وسلم من غير دليل على الخصوصية، فالمنع منه سدًّا للذرائع. بالنسبة لغيره عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى دليل يخصه.
وعدم وقوع مثل هذا التبرك من أحد من الصحابة إن سلم فلا ينفى