للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أحد منهم شيء من ذلك، إذ لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده في الأمة أفضل من أبى بكر الصديق رضى الله عنه فهو كان خليفته ولم يفعل به شيء من ذلك ولا عمر رضي الله عنه، وكان أفضل الأمة بعده، ثم عثمان وعلى وسائر الصحابة رضي الله عنهم لم يثبت من طريق صحيح أن أحدًا تبرك بواحد منهم على نحو ما وقع منهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، بل كانوا قدوة فيما اتبعوا فيه نبيهم من أحكام الدين. فهذا

إجماع منهم على ترك هذه الأشياء، إما لقيام دليل عندهم على اختصاص التبرك على هذا النحو به عليه الصلاة والسلام لمزيد بركته، وكمال نفحاته، وطهارة روحه، بخلاف غيره فلا يبلغ شأوه وإن حصل له من الكمال ما شاء الله، فلا يصح التبرك بغيره على نحو التبرك به، وإلا فهو بدعة كما لو فعل غير ذلك من خصوصياته صلوات الله وسلامه عليه.

وإما سدًّا للذريعة (١) خوفًا من أن يجعل ذلك سنة، أو لأن العامة لا تقف فيه عند حد، بل تبالغ بجهلها في التماس البركة حتى تخرج بالمتبرك به عن الحد فتعتقد فيه ما لا يليق به، وهذا التبرك هو أصل العبادة ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التى بويع تحتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر أهل السير أن سبب عبادة الأوثان هذا التبرك، فخاف عمر رضي الله عنه أن يتمادى الحال على تلك الشجرة فتعبد من دون الله.

وحكى أن أصحاب الحلاج بالغوا في التبرك به حتى كانوا يتمسحون ببوله ويتبخرون بعذرته حتى ادعوا فيه الألوهية، وربما يظن بغير الولى الولاية لخفاء أمرها، لأن الجمهور لا يعرف الفرق بين الكرامة والسحر، فيعظمون ما ليس بعظيم، وهذا ضلال مبين.

فالسلف تركوا العمل بما تقدم وإن كان له أصل لما يلزم عليه من الفساد. والوجه الثانى هو الأظهر؛ لأن الخصوصية تحتاج إلى دليل ولو كان لظهر لنا، ويؤيد الاحتمال الأول إطباق الصحابة ومن بعدهما على الترك، فلو


(١) سد الذرائع: هو منع الشارع من أشياء لجرها إلى منهى عنه والتوسل بها إليه فهو منع الجائز، لأنَّه يجر إلى غير الجائز، وبحسب عظم المفسدة في الممنوع يكون اتساع المنع في الذريعة وشدته.

<<  <   >  >>