الاستقامة على الطريق القويم وجد نفسه غريبًا بين أهل الوقت؛ لأن العوائد قد غلبت على أمورهم والمحدثات قد زاحمت السنن الأصلية، وقد كان ذلك في الأزمنة المتقدمة فكيف في زماننا هذا وقد بعد عهد الناس بالنبوة؟
روى عن أبي الدرداء أنه قال: لو خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليكم ما عرف شيئًا مما كان عليه هو وأصحابه إلَّا الصلاة. قال الأوزاعى: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزاعى هذا الزمان؟
وعن أنس بن مالك قال: ما أعرف منكم ما كنت أعهده على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قولكم: لا إله إلا الله. قلنا: بلى يا أبا حمزة. قال: قد صليتم حتى تغرب الشمس أفكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ إلى غير ذلك من الآثار الدلة على أن البدع تغلب على المشروعات، وأن ذلك قد كان قبل زماننا قد استفحل أمرها على توالى الأيام إلى اليوم.
والسعيد الموفق من أحيا السنة ودعا إلى الله - عزَّ وجلَّ - وخالف ما اعتاد الناس وإن ادعوا أن ما هم عليه هو السنة لا سواها، غير مبال بما يرمونه به من التنطع في العمل والتشدد في الدين، فذلك قليل من كثير كان يقاسيه الآمرون بالمعرف الناهون عن المنكر المتمسكون بدين الله من التشنيع والتقبيح وضروب الأذى والتعنيف، فقد نقل عن سيدى أويس القرنى أنه قال: إن الأمر بالمعرف والنهى عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقًا. نأمر بالمعروف فيشتمون أعراضنا ويجدون على ذلك أعوانًا من الفاسقين، حتى والله لقد رموني بالعظائم لا أدع أن أقوم فيهم بحقه. فمن هنا يرجع الإسلام غريبًا كما بدأ، لأن المتمسك به على حاله الأول معدوم أو قليل، والمخالف له هو الكثير فلم يبق من الدين إلَّا اسمه، ومن العمل إلَّا رسمه وظهر مصداق الحديث الصحيح:"بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء".
نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق إنه على ما يشاء قدير.
الحثُّ علَى التَّمسك بالدِّين وإحياء السُّنة:
وأما الحث على التمسك بالدين وإحياء السنة فاعلم أن من أمعن النظر فيما شرعه الله لنا مما تضمنه الكتاب وبينته السنة علم أن النبي