للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلوات الله وسلامه عليه تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يحيد عنها إلَّا من قد مرض قلبه وطاش في مهاوى الضلال لبه. فإن الله تعالى قد بين للناس قواعد الدين وأكملها.

قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (١) بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد، فإذا كان الله سبحانه قد أكمل لنا الدين بما أنزله في كتابه العربى المبين وعلى لسان نبيه الأمين، مما بلغ من الأحكام، وبين لنا من حلال وحرام، فمن اتبع غير سبيل المؤمنين فهو الحقيق بهذا الوعيد الشديد، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (٢)، وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (٣): ما تركنا وما أغفلنا شيئًا يحتاج إليه من الأشياء المهمة، فقد نفى سبحانه التقصير فيما شرع من كتابه الحكيم الذى هو متن للسنة. وقد أمر الله تعالى باتباع سبيله وما شرع من الدين القويم ونهى عن اتباع غير سبيل المؤمنين فقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (٤) فذكر تعالى أن له سبيلًا واحدًا سماها صراطًا مستقيمًا لأنها أقرب طريق إلى الحق والخير والسلام، وأن هناك سبلًا متعددة يتفوق متبعوها عن تَلك الصراط وهى طرق الشيطان، وحث سبحانه على اتباع سبيله الذى هو الكتاب والسنة حثًّا مقرونًا بالنهى عن اتباع السبل مبينًا أن ذلك سبب للتفرق. ولذا ترى المسلمين العاملين قد لزموا سبيلًا واحدًا أمروا بسلوكه.

وأما أهل البدع والأهواء فقد افترقوا في سبلهم على حسب معتقداتهم الفاسدة. وآرائهم الكاسدة {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (٥). وقد روى أحمد وجماعة

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطًّا ثم قال: "هذا سبيل اللَّه"، ثم خط خطوطًا عن يمينه وخطوطًا عن يساره وقال: "هذه السُّبُل المتفرقة وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو"، ثم قرأ هذه الآية، حتى بلغ {تَتَّقُونَ}. السبل المتفرقة: هى البدعِ، والشيطان: هو شيطان الإنس وهو المبتدع، وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (٦). قال العلماء: معناه إلى الكَتاب والسنة، فأمر سبحانه برد الأمر حالة النزاع إلى كتابه العزيز وسنة نبيه ففى حالة الوفاق أولى، وقال تعالى:


(١) [سورة المائدة: الآية ٣].
(٢) [سورة النساء: الآية ١١٥].
(٣) [سورة الأنعام: الآية ٣٨].
(٤) [سورة الأنعام: الآية ١٥٣].
(٥) [سورة الروم: الآية ٣٣].
(٦) [سورة النساء: الآية ٥٩].

<<  <   >  >>