للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن كان على بصيرة بمحاسن الشريعة الغراء لا يغيب عنه مكامن السوء التى يكيد بها الشيطان لعباد الله تعالى، وبالله التوفيق.

الفصل الحادي عشر في بِدَع العَاشَرَة والعَادَات

تقدم لك في تعريف البدعة ما يفيد الخلاف في الابتداع في العادات، وتقدم أيضًا في الوجه السادس من الفصل الثالث في تقسيم البدعة اختلاف الأنظار في الابتداع في العاديات، وأن المختار عند البعض إمكانه ووقوعه وتقدم تحقيق القول في ذلك، وهنا نذكر لك شيئًا ممَّا حدث في المعاشرة العادات فنقول:

اعلم أن المعاشرة خاصة وعامة، ولكل منهما حقوق وآداب إذا حافظ الناس عليها عاشوا في صفاء ورخاء، وإن أهملوها وقعوا في كدر وبلاء، وإذا علمت هذه الحقوق والآداب انكشف لك أن الناس اليوم قد أهملوا أمرها واشتروا الضلالة بالهدى، فساءت حالهم في معاشرتهم ومعاملاتهم، وأصبح من يحافظ على شيء من حقوق العاشرة وآدابها في نظر الجمهور مبتدعًا متنطعًا في أموره متشددًا في دينه نعوذ بالله من قلب الحقائق.

فمن هذه العادات تهاون الناس بحقوق الصحية والأخوة، مثل المواساة بالمال والقيام بقضاء الحوائج، وقد كان في السلف الصالح من يتفقد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم، ويتردد إليهم، ويمونهم من ماله فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه، وكان الواحد منهم يتردد إلى باب أخيه يقول: هل لكم ملح؟ هل لكم حاجة؟ وكان يقوم بها من حيث لا يعرفه أخوه عاملين بقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١) مقتدين بسنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فعن ابمت عمر رضي الله عنهما أن رسول لله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج اللَّه عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره اللَّه يوم القيامة" متفق عليه، وروى "أنه جاء رجل إلى أبى هريرة رضي الله عنه وقال: إنى أريد أن أواخيك في الله، فقال: أتدرى ما حق الإخاء؟ قال: عرفنى،


(١) [سورة الحج: الآية ٧٧].

<<  <   >  >>