للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها كتخصيص بعض الليالى أو الأيام لنوع من العبادة، والزيادة في المندوبات المحدودة شرعًا، فإن الاحتياط في العبادات المحضة أن لا يزاد فيها ولا ينقص منها، وذلك صحيح لأن الزيادة فيها والنقصان منها بدع منكرة فحالاتها وذرائعها يحتاط فيها في جانب النهى.

ونقول لك: قد علمت مما تقدم في أواخر الفصل الأول، أن الخلاف في معنى البدعة شرعًا ليس يرجع إلى شيء من الأحكام، بل هو خلاف لفظى يرجع محصوله إلى تحقيق ما يطلق عليه لفظ البدعة، فما جعل دينًا وليس منه مذموم اتفاقًا كما أنه يسمى بدعة اتفاقًا، والمحدثات التى يتناولها نهى الشارع مذمومة كذلك إنما الكلام في أنها كما تسمى محدثة تسمى بدعة، قال أرباب الطريقة الأولى: (لا) والثانية: (نعم)، وكذا الكلام في المحدثات الحسنة التى تتناولها قواعد الوجوب أو الندب، وأدلتهما العامة. فليس مقصود القائلين -بالتقسيم وأن البدعة منها الحسنة والقبيحة أن يتذرعوا بهذا إلى جواز الابتداع في الدين -حاشاهم، وهم من أجلاء الفقهاء، وجهابذة الإسلام، أن يقولوا بحسن الابتداع في الدين: (نعم) يجوز أن يتذرع يه الدهماء في ارتكابهم البدع قائلين: "هذه بدعة حسنة لأن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة" والأحكام الخمسة من بدعهم براء -وهذا لجهلهم بمواقع السنة والبدعة- والله الهادى إلى سواء السبيل.

* * *

الفصُل الرابع في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة

كان الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين إذا لم يجدوا نصًّا في كتاب اللّه ولا في سنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فزعوا إلى ما سموه رأيًا واجتهادًا، وهو الحكم في الحادثة يناء على القواعد الكلية، والأدلة العامة في الدين كقوله صلوات الله وسلامه عليه: "لا ضرر ولا ضرار"، وقوله: "دع ما يريبك إلى مما لا يريبك" ولم يكونوا يهتمون بأصل معين يقيسون على محله الحادثة التى يفتون فيها، أو يقضون بها بين الناس، كما قضى عمر رضى اللّه عنه على محمد ابن مسلمة بأن يمر خليج جاره في أرضه؛ لأنَّه ينفع جاره، ولا يضر محمدًا، فهذا قضاء بأصل عام، وهو إباحة النافع، وحظر الضار، ولم يقله قياسًا على أصل معين، وهذا ما يسمى في

<<  <   >  >>