وكفى بذلك، فلا تكون البدعة على هذه الطريقة إلَّا مذمومة، وليس كل مذموم محدث يقال له بدعة شرعًا، فمثل القتل والزنا وشرب الخمر حال ابتداعها مع اعتقاد حرمتها لا يقال لها بدعة.
[طريقة ثانية في معنى البدعة]
وهى أنها تطلق في عرف الفقهاء على معنيين:
(أحدهما): الحادث المذموم: بأن أحدث وخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا، فهى ما لم يأذن به الشارع لا قولًا ولا فعلًا ولا صريحًا ولا إشارة، ولا تتناول الأمور العادية، وهى بهذا المعنى تشمل كل ما تناوله ذم الشارع ونهيه تحريمًا سواء أكان إحداثه على أنه دين الله وشرعه ولم يكَن كذلك أم لا، فالقتل أول إحداثه يقال له: بدعة، وكذا الزنا وشرب الخمر.
(وثانيهما): وهو أعم مما قبله: ما أحدث بعد النبي صلوات الله وسلامه عليه، خيرًا كان أو شرًّا، عبادة أو عادة، هى ما يراد منه غرض دنيوى كالملابس والمساكن والمآكل والمشارب التى لم تكن في الزمن الفاضل والسلف الصالح، وظاهر أن هذا المعنى يتناول البدعة الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة والمباحة وكذا البدعة العادية.
وصفوة القول أن أرباب الطريقة الأولى في تعريف البدعة لا يطلقون لفظ البدعة إلَّا على الحادث المذموم بأن كان مخالفا للكتاب والسنة والإجماع والقياس، فهى ما نهى عنه تحريمًا في مثل حديث العرباض بن سارية بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" بقيد أن يكون إحداث هذا الحادث على أن يكون طريقة مسلوكة أو صار ذلك الحادث طريقة وسنة على هذا لا يدخل في تعريفها البدعة الواجبة والمندوبة والمباحة، فكان أخص مطلقًا من المعنى الأول وعلى الطريقة الثانية. هذا بناء على أن البدعة لا تتناول العاديات كما هو الرأى الأول في الطريقة الأولى وإلا فأخص من وجه، وأما أرباب الطريقة الثانية فيطلقون لفظ البدعة على معنيين أحدهما أخص من الآخر كما هو ظاهر.
وهذا الخلاف لفظى يرجع إلى تحقيق ما يطلق عليه لفظ البدعة شرعًا مما جعل دينًا وليس منه مذموم اتفاقًا كما أنه يسمى بدعة اتفاقًا كنذر