للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبما تقدم علم حكم الابتداع في نحو لبس الثياب والأكل والشرب والمشى والنوم فهذه أمور عادية وقد دخلها التعبد وقيدها الشارع بأمور لا خيرة فيها كنهى اللابس عن إطالة الثوب عُجبًا وطلب التسمية عند الأكل والشرب والنهى عن الإسراف فيهما والنهى عن النوم عاريًا على سطح إلى غير ذلك من القيود التى قيد بها الشارع. فالأمور المذكورة عادية ومن هذه الجهة لا يدخلها الابتداع وإنما من

الجهة التى رسمها الشارع فيها، فإذا خولف بها الوجه المشروع واعتبر ذلك دينًا يتقرب يه إلى اللّه تعالى كانت بدعًا، بل هى معصية وابتداع باعتبارين كما سبق في وضع المكوس (فهى) باعتبار مخالفتها الأمر والنهى عصيان، ومن حيث التقرب بها إلى اللّه تعالى من الجهة المضادة للطريق التى رسمها تكون بدعة مذمومة، وبذلك حصل اتفاق القولين واتضح الحال وباللّه تعالى التوفيق، ولا تنس أن هذا مبنى على الطريقة الأولى في معنى البدعة كما سبق.

وأما الثانى وهو التقسيم الخاص بأرباب الطريقة الثانية في تعريف البدعة بالمعنى الثانى، وعليه جرى القرافى تبعًا لشيخه العز بن عبد السلام فهو انقسامها إلى حسنة وقبيحة (١) والأولى إلى واجبة ومندوبة ومباحة والثانية إلى محرمة ومكروهة فتعتريها الأحكام الخمسة.

الأولى: البدعة الواجبة: وهى ما تناولته قواعد الوجوب وأدلته من الشرع (٢) كجمع القرآن وتدوينه في المصاحف، وجمع الناس على المصاحف العثمانية، وترك ما سوى ذلك من القراءات التى كانت مستعملة في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وكذلك جمع العلوم وتدوينها، وكذلك الاشتغال بالعلوم التى يفهم بها كلام اللّه تعالى وكلام رسوله وحفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة والكلام في الجرح والتعديل لتمييز الصحيح من السقيم، وكذا تقرير قواعد الفنون الشرعية وبيان فروعها وأحكامها


(١) قال في المواقف وشرحه: القبيح عندنا ما نهى عنه شرعًا نهى تحريم أو تنزيه والحسن بخلافه أي ما لم ينه عنه شرعًا، كالواجب والمندوب والمباح، فإن المباح عند أكثر أصحابنا من قبيل الحسن.
(٢) المراد الأدلة العامة الإجمالية مثل: مقدمة الواجب واجبة، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ومثل لا ضرر ولا ضرار، لا النصوص المعينة الجزئية المنطقة على كل فرع وهى بهذا المعنى تتناول القواعد.

<<  <   >  >>