للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلوب المصلين وبُسُطٍ فيها من أنواع النقش ما يشغل المصلى، وكذا تعليق الثريات الباهظة الأثمان، إذ كثير من الناس يعتقد أنها من قبيل ترفيع بيوت اللّه تعالى حتى يعد الإنفاق في ذلك إنفاقًا في

سبيل اللّه، فإنها بهذا الاعتبار تصير بدعًا مذمومة. وأما تنظيم المساجد بتشييد بنائها ورفعه رفعًا مناسبًا وتنظيف جدرانها بلون لا يحول بين المصلى وبين ربه، وكذا فرشها بالفرش التى لا تعدو حد الاقتصاد والتوسط فهذا ليس من محل الخلاف وإنما هو عمارة للمساجد ينفق فيه من آمن بالله واليوم الآخر، وحسبك ما كان من أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه من إصلاح المسجد النبوي.

وأما اتخاذ المناخل فإن فُرِضَ مباحًا كما قالوا: فإنما إباحته بدليل شرعى فلا ابتداع، وإن فرض مكروهًا كما أشار إليه محمد ين أسلم، فوجه الكراهة عنده كونها عدت في الأثر الآتى من المحدثات، والظاهر أن الكراهة من ناحية السرف والتنعم الذى أشار إلى كراهته قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا … } (١) الآية، لا من جهة أنه بدعة محدثة، وكذا يقال في باقى الأمثلة.

وجملة القول أن الابتداع إن دخل في الأمور العادية فهو لما فيها من معنى التعبد فرجع الأمر إلى أن الابتداع المذموم لا يكون في العادى المحض، كالمخترعات في أمور الدنيا التى تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وترقى برقى الأمم والشعوب، ولما كانت بذلك لا يمكن للناس حصر جزئياتها ويعسر عليهم أن يتقيدوا بجزئيات مخصوصة منها ترك الشارع التصرف لكل أمة تدير شئونها بما يوافق زمانها وجاءهم بقواعد كلية تنطبق على كل أمة وتصلح لكل زمان فجعل (العدل أساس الأعمال) (واتقاء الشر مقدمًا في أي حال من الأحوال) فمتى كان ذلك قصد الناس في أمورهم الدنيوية، فليخترعوا ما شاءوا من الطرق النافعة، وليبتدعوا ما أرادوا من الحيل والأساليب الصحيحة فإنه لا حجر في ذلك. أما إذا جاوز المخترعون العدل باختراعهم وانصرفوا إلى الشر والإفساد في ابتداعهم فتلك سنة سيئة "ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ".


(١) [سورة الأحقاف: الآية ٢٠].

<<  <   >  >>