للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأبضاع والأموال مثلًا محرم في الدين،

وكون ذلك يتخذ ديدنا حتى يصير الابن مستحقًّا لرتبة الأب بطريق الوراثة، وإن لم يبلغ رتبة الأب في ذلك المنصب بحيث يشيع ذلك العمل ويطرد ويرده الناس كالشرع الذى لا يخالف فهو بدعة بلا إشكال. انتهى.

ولا يخفى على المتأمل أن ما ذكره لم يخرج عن كونه تقريرًا لدخول معنى الابتداع في هذه المذكورات بناء على ما ذهب إليه أرباب الطريقة الأولى: من أنهم يعتبرون في معنى البدعة أن يكون مسلوكًا بها مسلك التشريع ووضع القوانين، فالذين يلتزمون ذلك في البدعة يجعلون ما ذكره وجه الابتداع في هذه المذكورات. وليت شعرى إذا كان الابتداع في هذا القسم وقسم العبادات من جهة كونه مسلوكًا به مسالك التشريع ومن حيث كونه اختراعًا يؤخذ به الناس حتى الموت كما يؤخذون بسائر التكاليف وأن هذا هو مناط الذم ونهى الشارع، والسبب الذى لأجله عدت البدعة من المخازى الفاضحة، فهاد تكون القوانين الوضعية التى تسنها الحكومات الإسلامية ورؤساء الجمعيات وكل ذى مصلحة إدارية لما فيها من المصالح الضرورية والحاجيات والتحسينات الكمالية ابتداعًا ومحلًا، لذم الشارع، فإنه قد سلك بها مسلك التشريع على الوجه الذى قرره صاحب "الاعتصام"، وكيف يذهب عاقل إلى حرمة أن يسن أولو الأمر والنهى قوانين تكون كافلة بحفظ نظام الأمم حيث لم تخرج عن القانون الشرعى كقانون الجنايات والجنح، والمخالفات التى تجعل عقوبة كمن فعل كذا يحبس مثلًا شهرًا إلى غير ذلك. أما إذا خرجت هذه القوانين الوضعية عن القانون الشرعى، فإنها تسمى معصية منكرة على الطريقة الأولى لا بدعة وتسمى بدعة على الطريقة الثانية، كما عرفت وستعلم أن أصحاب الطريقة الثانية لا يعتبرون ذللك في معنى البدعة، بل المناط فيها أن تكون تسنينًا وإحداثًا لسنة بحيث يقع الاقتداء به سواء أحدث العمل على أنه دين وشرع أم لا، وبالإحداث على هذا الوجه يكون الفاعل قد فتح باب الشر، وسيتضح لك هذا قريبًا إن شاء اللّه تعالى.

ثم قال: وأما إقامة الأئمة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه السلف، فليس من البدع في شيء لأنَّه إما مطلوب، أو من قبيل المصالح المرسلة كما سيأتى قريبًا والأشبه التمثيل بزخرفة المساجد بألوان تفرق

<<  <   >  >>