للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ولكنا نقول) إن الآثار التى يتبرك بها يجب أن تكون من الآثار التى لا ينكرها الشرع ويصح أن تتحمل شيئًا من بركات صاحبها كاللباس والفرش والإناء، ألا ترى لو ذهب أحد في التبرك بولى إلى شرب بوله مثلًا كان آثمًا لنهى الشارع بخلاف بوله عليه الصلاة والسلام لطهارته عند من قال بطهارة فضلاته والمسألة خلافية كما سبق.

فواجب الخاصة من العلماء أن لا يخوضوا في مثل هذه البدع خشية أن يتوسل بها الشيطان إلى تضليل العوام، فإن من أهم الأمور سد ما هو ذريعة إلى هذا المحظور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما يؤول إليه ما نهى عنه، والخير والهدى في اتباعه وطاعته، والشر والضلال في معصيته ومخالفته.

وقد أنكر الصحابة -رضى اللّه عنهم- ما هو دون هذا بكثير كما روى غير واحد عن المعرور بن سويد أنه قال: "صليت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في طريق مكة صلاة الصبح فقرأ فيها {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} (١)، و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} (٢)، ثم رأى الناس يذهبون مذاهب فقال: أين يذهب هؤلاء فقيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهم يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعًا فمن أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها" أخرجه الإمام ابن الجوزى في "سيرة عمر"، وكذا لما بلغه أن الناس ينتابون شجرة البيعة أرسل فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون إليها فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة.

* * *

[عرائض الشكوى وإلقاؤها داخل الأضرحة]

ومن البدع ما يصنعه العامة من تقديم عرائض الشكوى وإلقائها داخل الضريح زاعمين أن صاحب الضريح يفصل فيها وربما كان المطلوب إلحاق الأذى بمسلم أو مسلمة، فعلى رجال الدين أن يبينوا لهم شرع الله تعالى، ومنازل أصحاب الأضرحة عنده، وإلى من ينبغى أن ترفع هذه الشكاوى.

ومن البدع اتخاذ المقابر مساجد بالصلاة إليها، فعن أبى مرثد كناز بن الحصين -رضى اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تصلوا إلى القبور

ولا تجلسوا عليها" رواه مسلم، وأبو مَرثد بفتح


(١) [سورة الفيل: الآية ١].
(٢) [سورة قريش: الآية ١].

<<  <   >  >>