ما لا يغيب عن بصير، وليس لأحد أن يهيئ قبرًا ليدفن فيه إذا مات؛ لأنَّه تحجير على غيره ومن سبق إلى مباح كان أولى به، ويجوز له ذلك في ملكه لأنَّه لا غصب في ذلك وفيه تذكرة لمن أعد له، والسنة تهيئة القبر عقب الموت فما تدرى نفس بأى أرض تموت.
* * *
ستُور الأَضْرحَة
ومن البدع الستور التى توضع على الأضرحة ويتنافس فيها، والشيلان التى توضع كالعمامة على تابوت الأولياء والعلماء، فإن هذا مع ما فيه من صرف المال لغير غرض شرعى وفعل العبث وتضليل البسطاء من العامة على ما سيأتى، قد ورد ما يفيد النهى عنه صريحًا، ففىٍ الصحيحين عن عائشة -رضى اللّه عنها-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في غزاة فأخذت نمطًا فسترته على الباب، فلما قدم رأى النمط فجذبه حتى هتكه ثم قال:"إن اللَّه لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين". والنمط: وزان حجر واحد الأنماط: وهى ضرب من البسط له خمل رقيق.
فالتعليل في الحديث إيماء إلى أن هذه الستور خلقت لينتفع بها الأحياء، فاستعمالها في ستر الجماد تعطل وعبث، ولكن خَدَمَةَ الأضرحة زين لهم الشيطان ذلك ليفتح لهم بابًا من الارتزاق الخبيث فتراهم إذا احتاجوا لتجديد ثوب التابوت لكل عام أو إذا بلى يوهمون العوام أن بها من البركة ما لا يحاط به وأنها نافعة في الشفاء من الأمراض ودفع الحساد وجلب الأرزاق والسلامة من كل المكاره والأمن من جميع المخاوف، فتهافتت عليها البسطاء وهان عليهم بذل الأموال في الحصول على اليسير منها، وكيف تقر البركة وهذه الستور على ما عهدت، وبناء القبور على ما علمت، ورفعها وتزيينها على ما سمعت.
إنا لا ننكر على الناس التبرك بآثار الصالحين من العلماء والأولياء، فقد تقدم أنه ثبت عن الصحابة -رضى اللّه عنهم- التبرك بآثار المصطفى صلوات اللّه وسلامه عليه، وكذا صح أن الإمام الشافعى كان يتبرك بغسالة قميص الإمام أحمد -رضى اللّه عنهما- يأخذ منها كل يوم يمسح على وجهه تبركًا