عملها، فكل هذا عمل ليس من الدين -فهو مردود- وكذا كل معاملة لا يشهد لها أصل من الأصول العامة.
[ويستفاد من الحديث الأول أمور]
(منها): أن فيه دلالة للقاعدة الأصولية أن مطلق النهى يقتضى الفساد؛ لأن المنهى عنه مخترع محدث وقد حكم عليه بالرد المستلزم للفساد، فكل العقود المنهى
عنها باطلة غير معتد بها ولا تترتب عليها آثارها التى كانت تترتب عليها إذا كانت مشروعة، فإن جميع المنهيات ليست من أمر الدين فيلزم ردها. ومن قال: لا يقتضى الفساد، يقول: هذا خبر واحد وهو ظنى فلا يكفى في إثبات هذه القاعدة المهمة. قال الإمام النووى -رحمه اللّه-: وهذا جواب فاسد لأنها متعلقة بالفروع العملية التى يكتفى فيها بالظنى بخلاف العقائد التى لابد فيها من العلم.
(ومنها: أن الاختراع في الأمور الدنيوية لا حرج فيه ما دام لم يصادم أصلًا من أصول الدين. فالشريعة تبيح للناس أن يخترعوا في أمور الدنيا ما أرادوا، وفى صناعاتهم ومساكنهم ما شاءوا، بشرط المحافظة على قاعدة العدل ودرء المفاسد وجلب المصالح، بل قد يكون مأجورًا في إحداث كل ما يرقى أمته ويعود عليها بالخير والرفاهية.
(ومنها): أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر لقوله: "ليس عليه أمرنا" والمراد به أمر الدين، فلا يحل به الحرام إذا كان ما ادعاه باطلًا في الواقع والشهود كَذَبَةٌ وينفذ حكمه ظاهرًا فقط، وإليه ذهب الجمهور وخالف أبو حنيفة ومحمد -رحمهما الله- فقالا: ينفذ حكمه ظاهرًا باطنًا. مثلًا لو حكم بشهادة زور أن هذه المرأة زوجة فلان حلت له عندهما ولها أن تمكنه من نفسها: عند الجمهور لا تحل له ولا يحل لها أن تمكنه منها والمسألة مبسوطة في كتب الحديث والفروع.
(ومنها): أن الصلح الفاسد منقوض، والمأخوذ فيه مستحق الرد، كالصلح الذى يحل حرامًا أو يحرم حلالًا، كأن شرط فيه أكل مال الغير بالباطل أو وطء أمة لا تحل له، أو كان فيه ضرر بأحد الطرفين كاشتراط البائع ألا يطأ الأمة، وقد جاء مصرحًا به في حديث الأعرابى الذى رواه البخارى وغيره في كتاب الصلح عن أبى هريرة وزيد ابن خالد رضى الله عنهما أنهما قالا: "إن رجلًا من الأعراب أتى رسول اللّه صلى أدنه عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللّه أنشدك اللّه إلا قضيت لي بكتاب اللّه، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: