للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم فاقض بيننا بكتاب اللّه وائذن لي، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "قل". قل: إن ابنى كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته، وإنى أخبرت أن على ابنى الرجم فافتديت ابنى منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبرونى أن ما على ابنى مائة جلدة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. سلم: "والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه، الغنم

والوليدة رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام. اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". قال: فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجمت. فهذا صلح عن الرجم بالمال وهو لا يجوز في الحدود فكان فاسدًا منقوضًا والمأخوذ به مستحق الرد. منه يستفاد أن الباطل من القضاء مردود وما خالف السنة الواضحة من ذلك فباطل، وأن من قضى له بشيء وقبضه لا يدخله قبضه في ملكه؛ لذا كان هذا القضاء خطأ وجورًا وخلافًا للسنة ولا يصح له ذلك وعليه رده.

وأنشدك -بفتح الهمزة وضم المعجمة والمهملة-: أي أسألك باللّه كأنه قال: أقسمت عليك باللّه وائذن لي في أن أقول. والعسيف: الأجير، والوليدة: الجارية.

"ولأقضين بينكما بكتاب اللَّه": لأحكمن بينكما بحكم اللّه الذى شرع لنا، إذ ليس في الكتاب "القرآن" ذكر الرجم والتغريب، والكتاب لغة يطلق على الحكما وعلى الفرض، قال تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} (١)، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (٢) كما يقال على القرآن.

(ومنها): أن ديننا قد كمل واشتهر وظهر ظهور المحسوس كالشمس بحيث صار لا يخفى على ذى بصر وبصيرة بشهادة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٣). {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (٤). {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (٥). فمن رام زيادة عليه فقد حاول ما ليس بِمَرْضِىٍّ لدى اللّه تعالى؛ لأنَّه لقصور عقله وقلة فهمه رآه ناقصًا ولو أنصف الحق لعلم أنه هو الناقص والمطرود المحروم.

(ومنها): الحث على الاتباع والتحذير من الابتداع إلى غير ذلك مما لا يحصى.

قال العلامة الشوكانى: هذا الحديث من قواعد الدين؛ لأنَّه يندرج


(١) [سورة النساء: الآية ٢٤].
(٢) [سورة المائدة: الآية ٣].
(٣) [سورة البقرة: الآية ١٨٣].
(٤) [سورة الأنعام: الآية ١٥٣].
(٥) [سورة يوسف: الآية ١٠٨].

<<  <   >  >>