للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ … } (١) فلنتأس به في الترك كما نتأسى به في الفعل.

وكالتغنى بمدح السلاطين، والترنم وقت الخطبة، وكالتبليغ لغير حاجة بأن كان المسجد صغيرًا أوكان العدد قليلًا وصوت الإمام يبلغ الجميع إلى غير ذلك من البدع التى حدثت ولم تفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفائه الراشدين مع وجود مقتضيها في زمن التشريع وعدم المانع منها. وسيأتى لهذا الأصل فروع كثيرة إن شاء الله تعالى.

[الكلام على حديث: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"]

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

وفى رواية لمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

بيان الرواية الأولى: "من أحدث في أمرنا" أي أنشأ واخترع من قِبَل نفسه فما شأننا الذى نحن عليه وهو ما شرعه الله ورسوله، فالمراد من الأمر الدين كما في رواية. وعبر عنه به تنبيهًا على أن هذا الدين هو أمرنا الذى نهتم به بحيث لا يخرج عنه شيء من أقوالنا لا أفعالنا. "هذا": استعمل اسم الإشارة في غير المشاهد مع أنه موضوع له لتنزيله منزلته اعتناء بشأنه وإحضاره في ذهن السامع ليتميز أكمل تميز، ولذا أتى بما يشار به للقريب بيانًا لحاله في القرب.

"ما ليس منه": أي شيئًا أو الذى ليس منه، فعلًا كان أو قولًا أو اعتقادًا؛ لأن "ما" من صيغ العموم، ومعنى كونه ليس منه: أن ينافيه ولا يشهد له شيء من قواعده الكلية وأدلته العامة وهو المسمى بالبدعة. أما ما لا ينافيه بأن يشهد له شيء من قواعد الشرع أو أدلته فليس برد، بل هو مقبول كبناء الحصون وتشييد معاهد العلم ودور الصناعات وسائر أنواع البر التى لم تعهد في الصدر الأول فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والتعاون على البر والتقوى. "فهو": الضمير عائد على ما في قوله: ما ليس منه. والرابط بين الشرط وجوابه محذوف، والمعنى فذلك الذى ليس منه وهو المحدث. "رد": أي مردود على فاعله من إطلاق المصدر على اسم المفعول، ومعنى كونه مردودًا عليه أنه


(١) [سورة الأحزاب: الآية ٢٩].

<<  <   >  >>