للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعافه" وأذن لهم في أكله فلو لم يكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مُتَّبَعًا في تركه كما هو مُتَّبَعٌ في فعله لما كان لتوقف الصحابة وجه، وقد فهموا - وهم أدرى الناس بالدين - أولًا أنه امتنع عنه لأنَّه منهى عنه فتركوه، وبعد أن أخبرهم بأن هناك سببًا آخر وهو عدم الإلف أكلوا منه ولم يروا بذلك بأسًا. (من "إرشاد الفحول" بتصرف).

ومن هذا الأصل العظيم تعلم أن أكثر أفعال الناس اليوم من البدع المذمومة،

كقراءة القرآن الكريم على القبور رحمة بالميت، تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتركه الصحابة مع قيام المقتضى للفعل وهو الشفقة بالميت وعدم المانع منه. فعلى هذا الأصل المذكور يكون تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة. وكيف يعقل أن يترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - شيئًا نافعًا يعود على أمته بالرحمة وهو بالمؤمنين رءوف رحيم؟ فهل يعقل أن يكون هذا بابًا من أبواب الرحمة ويتركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - طوال حياته ولا يقرأ على ميت مرة واحدة مع العلم بأن القرآن الحكيم ما نزل للأموات إنما نزل للأحياء .. نزك ليكون ترغيبًا للمطيع وترهيبًا للعاصى، نزل لتهذيب نفوسنا، وإصلاح شئوننا، أنزل الله - عزَّ وجلَّ - القرآن كغيره من الكتب السماوية ليعمل على طريقه العاملون ويهتدى بهديه المهتدون. كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (١). فهل سمعتم أنَّ كتابًا من الكتب السماوية قرئ على الأموات، أو أخذت عليه الأجور والصدقات، والله يقول لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} (٢) لهم أن يتصدقوا على موتاهم لكن لا ثمنًا للقرآن.

وكالاجتماع للمآتم. هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقيمها أو كانت سنته أن يدفن الواحد من أصحابه ويذهب كل إلى عمله، ويشتغل بمصالحه ويتركه إلى مولاه ليس معه إلا ما قدمت يداه .. ؟ هذه كانت طريقته صلوات الله وسلامه عليه والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ


(١) [سورة الإسراء الآيتان ٩، ١٠].
(٢) [سورة ص: الآيات ٨٦ - ٨٨].

<<  <   >  >>