للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشروع الأصل بناء على ما قاله ابن رشد، أي أن هذه السورة احتوت على التوحيد ومن يقرؤها ويتدبرها كأنه قرأ ثلث القرآن ومع ذلك كان السلف يكرهون تكريرها والمداومة عليها دون غيرها خشية أن تصير عادة فيدخلها الابتداع.

الثانى: قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (١)، وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (٢) إذا استحب لنا إنسان الأذان للعيدين والكسوفين والتراويح وقلنا: كيف

والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله ولم يأمر به وتركه طول حياته؟ فقال لنا: إن المؤذن داع إلى الله، وإن المؤذن ذاكر لله كيف تقوم عليه الحجة، وكيف تبطل بدعته؟.

الثالث: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ … } (٣) الآية، لو صح الأخذ بالعمومات لصح أن يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والسلام في قيام الصلاة وركوعها واعتدالها وسجودها، إلى غير ذلك من الأمكنة التى لم يضعها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها، ومن الذى يجيز التقرب إلى الله تعالى بمثل ذلك وتكون الصلاة بهذه الصفة عبادة معتبرة، وكيف هذا مع حديث: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"؟ رواه البخارى، فلا يقرب إلى الله إلا العمل بما شرع، وعلى الوجه الذى شرع.

الرابع: ورد في صحيح الحديث: "فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر" رواه النَّسَائِيّ وأبو داود وابن ماجه. لو أخذ بعموم هذا لوجبت الزكاة في الخضر والبقول مع إجماع العلماء إلا الإمام الأعظم على عدم وجوب الزكاة فيها ولا مستند لهم في عدم وجوب الزكاة سوى هذا الأصل وهو أن ماتركه صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضى على فعله فتركه هو السنة وفعله هو البدعة.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرون في ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - للفعل مع وجود المقتضى له الحظر وأنَّه منهى عنه. دليل ذلك أنه لما قدم إليه الضب فأمسك عنه وترك أكله أمسك عنه الصحابة وتركوه إلى أن بين لهم المانع بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليس بأرض قومى فأجدنى


(١) [سورة فصلت: الآية ٣٣].
(٢) [سورة الأحزاب: الآية ٤١].
(٣) [سورة الأحزاب: الآية ٥٦].

<<  <   >  >>