للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير معقولة المعنى على التفصيل بخلاف المصالح المرسلة، فإنها إنما تكون في معقول المعنى على التفصيل وهى المعاملات.

(وهناك فرق آخر) وهو أن البدع إنما تكون في المقاصد بخلاف المصالح المرسلة فإنها تكون في الوسائل ولهذا أرجعها بعضهم إلى قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فقد علمت أنهما يفترقان من جهتين:

(الأولى): أن البدع تكون في التعبدات وشأن التعبدات أن لا تكون معقولة المعنى على التفصيل، والمصالح تكون في المعقول معناه على التفصيل.

(والثانية): أن المصالح هى من باب الوسائل، والبدع من باب المقاصد وشتان ما بين الوسائل والمقاصد. فكيف مع هذا تشتبه البدعة بالمصالح المرسلة؟ وكيف يحتج بالمصالح المرسلة التى عمل بها الصحابة على جواز الابتداع في الدين؟.

والسر في اعتبار المصلحة المرسلة في المعاملات دون العبادات، أن العبادات حق الشارع خاص به ولا يمكن معرفة حقه كمًّا وكيفًا وزمانًا ومكانًا إلا من جهته فيأتى به العبد على ما رسم له، فإن غلام أحدنا لا يعد مطيعًا خادمًا له إلا إذا امتثل ما رسم سيده وفعل ما يعلم أنه يرضيه، فكذلك هاهنا إذ العقول البشرية لا تهتدى وحدها لوجوه التقربات إلى اللّه تعالى وتهتدى للعادات في الجملة، والشارع الحكيم لم يكل شيئًا من العبادات إلى آراء العباد، فلم يبق إلا الوقوف عند ما حده، والزيادة عليه بدعة كما أن النقصان منه بدعة. ولذلك لما تعبدت الفلاسفة بعقولهم ورفضوا الشرائع أسخطوا الله عز وجل وضلوا وأضلوا. وهذا بخلاف حقوق المكلفين فإنها أحكام سياسية شرعية وضعت لمصالحهم، وكانت هى المعتبرة، وعلى تحصيلها المعول، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

الفصُل الخامس في ذم البدع والتحذير من الابتداع

لقد جاء في ذم البدع والتحذير منها آيات من الكتاب الحكيم كقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (١). فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذى دعا إليه وهو السنة، والسبل هى سبل أهل الاختلاف الحائدين

<<  <   >  >>