للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الصراط القويم، وهم أهل البدع والأهواء، وليس المراد سبل المعاصى؛ لأن المعاصى من حيث هى معاص لم يضعها أحد طريقًا تسلك دائمًا على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات، يدل على هذا ما رواه أحمد وعبد بن حميد والنسائى وابن المنذر وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه خط خطًّا ثم قال: "هذا سبيل الرشد"، ثم خط عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه"، ثم تلا هذه الآية {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ … إلى تَتَّقُونَ} (١)، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (٢) جاء تفسيرها في الحديث عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا من هم؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "هم أصحاب الأهواء وأصحاب البدع وأصحاب الضلالة من هذه الأمة". قال ابن عطية: هذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدال والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد. وقال القاضى: ظاهر القرآن يدل على أن كل من ابتدع في الدين بدعة من الخوارج وغيرهم فهو داخل في هذه الآية؛ لأنهم إذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا تفرقوا وكانوا شيعًا، والشواهد على وقوع التفرق والعداوة عند وقوع الابتداع كثيرة، وأول شاهد على ذلك ما وقع من الخوارج المنكرين مشروعية التحكيم إذ عادَوْا أهل الإسلام حتى صاروا يقتلونهم ويتركون أهل الأوثان وقد أخبر عنهم رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه.

فعن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضى اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: "سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة" متفق عليه. وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (٣). فالسبيل القصد هو طريق الحق


(١) [سورة الأنعام: الآية ١٥٣].
(٢) [سورة الأنعام: الآية ١٥٩].
(٣) [سورة النحل: الآية ٩].

<<  <   >  >>