وجه الأرض شبرًا أو نحوه، وأحب ألَّا يبنى ولا يجصص، فإذ ذلك يشبه الزينة والخيلاء وليس الموت موضع واحد منهما، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة، وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك. انتهى. وإنما وجب الهدم لما في البناء من الزينة والخيلاء وإضاعة المال والتشبه بالجاهلية والتضييق على الناس وبالبناء يتأبد القبر بعد اندراس الميت فيحرم الناس من الدفن في تلك البقعة.
وقد أفتى جمع من العلماء بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية منهم العلامة ابن حجر، إذ قال في "الزواجر": وتجب المبادرة لهدم المساجد والقباب التى على القبور إذ هى أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، لأنَّه نهى عن ذلك وأمر - صلى الله عليه وسلم - بهدم القبور المشرفة وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره. اهـ. فينبغى لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام وكانت هذه الفتوى في عهد الملك الظاهر إذ عزم على هدم كل ما في القرافة من البناء كيف كان، فاتفق علماء عصره أنه يجب على ولى الأمر أن يهدم ذلك كله ويجب عليه أن يكلف أصحابها رمى ترابها في الكيمان.
* * *
غَرس الأشجار في الحيشان
ووجه الفتيا أبى قرافة مصر جميعها لا تخرج عن كونها موقوفة أو مسبلة ولا مساغ لاحتمال أن أحدًا من الناس وضع البناء بحق بأن كان في ملكه أو ملك غيره بإذنه، وقد صرحوا بأنه لا يجوز الانتفاع بالمقبرة المسبلة أو الموقوفة في غير الدفن (وعليه) فغرس الأشجار وإحداث البساتين داخل الحيشان من البدع المحرمة، فيجب قلع ذلك وإن تيقنا اندراس من بها، فإذا كانت القرافة مملوكة جاز ذلك بشرط أن لا يصل منه للأموات ضرر (هذا) وليس لأحد حفر قبر غيره حتى يأتى عليه مدة يعلم فيها انمحاق الميت جميعه بحيث يكون ترابًا.
(وعلى الجملة) لا يجوز بناء الحيشان والمساكن واتخاذ البساتين وإجراء المياه في المقابر، وكل ذلك بدع سيئة