فرق بين الفاعل لما ترك والتارك لما فعل، لا يقال: كيف ذلك وقد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمورًا فعلها الخلفاء بعده وهم أعلم الناس بالدين وأحرصهم
على الاتباع، فلو كان الترك سنة كما تقول لما فعل الخلفاء أمورًا تركها النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الكلام مفروض في ترك شيء لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم مانع منه وتوفرت الدواعى على فعله كتركه الأذان للعيدين والغسل لكل صلاة وصلاة ليلة النصف من شعبان، والأذان للتراويح والقراءة على الموتى، فهذه أمور تركت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم السنين الطوال مع عدم المانع من فعلها ووجود مقتضيها لأنها عبادات والمقتضى لها موجود وهو التقرب إلى الله تعالى والوقت وقت تشريع وبيان للأحكام، فلو كانت دينًا وعبادة يتقرب بها إلى الله تعالى ما تركها السنين الطويلة مع أمره بالتبليغ وعصمته من الكتمان فتركه صلى الله عليه وآله وسلم لها ومواظبته على الترك مع عدم المانع ووجود المقتضى ومع أن الوقت وقت تشريع دليل على أن المشروع فيها هو الترك وأن الفعل خلاف المشروع فلا يتقرب به لأن القربة لابد أن تكون مشروعة.
وأما ما فعله الخلفاء ولم يكن موجودًا قبل فهو لا يخرج عن أمور لم يوجد لها المقتضى في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل في عهد الخلفاء كجمع المصحف، أو كان المقتضى موجودًا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة فإن المانع من إقامتها جماعة والمواظبة عليها خوف الفرضية فلما زال المانع بانتهاء زمن الوحى صح الرجوع فيها إلى ما رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته. وبهذا الأصل يسهل التوفيق يين الأدلة المتعارضة ظاهرًا، وسيأتى أن ما أحدثه الخلقاء يرجع إلى المصالح المرسلة وفرق بينها وبين البدع.
[وإليك نصوص العلماء في تقسيم السنة إلى فعلية وتركية لتزداد بصيرة]
قال المحقق الإمام الشاطبى المالكى جوابًا عن سؤال حاصله أن يقال في البدعة: إنها فعل سكت الشارع عن حكمه في الفعل والترك. فالأصل