للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه قصد القربة

فهو للأبد أن يكون للقربة وأقل ما يتقرب به هو المندوب ولا دليل على زيادة على الندب فوجب القول به. ولا يجوز القول بأنه يفيد الإباحة، فإن إباحة الشئ بمعنى استواء طرفيه موجودة قبل ورود الشرع به. فالقول بها إهمال للفعل الصادر منه صلوات الله وسلامه عليه فهو تفريط كما أن حمل فعله المجرد على الوجوب إفراط والحق بين المقصر والغالى، وقال الآمدى: لا يفيد الندب على الخصوص، بل هو دليل على القدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة وهو رفع الحرج عن الفعل فقط.

وأما ما اختص به الوجوب والندب عن المباح من ترجح الفعل على الترك، وما اختص به المباح عنهما من استواء الطرفين فمشكوك فيه ورجح ابن الحاجب أنه للإباحة.

وتظهر ثمرة الخلاف فيما إذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل لم يظهر فيه قصد القربة ولم ينضم إلى الفعل أمر آخر مثلًا. إذا فرضنا أن لبس الجبة لم يرد فيه سوى الفعل من الرسول أفيعد فعل الرسول له قربة مندوبًا وسنة من سنن الهدى يتقرب به إلى الله تعالى؛ هذا مختار الشوكانى، أو فعل الرسول له يخرجه من الحظر إلى الإذن فيه فقط. وأما كونه مندوبًا على الخصوص، أو واجبًا، أو مباحًا كذلك فيحتاج إلى دليل آخر وهذا مختار الآمدى، أو يدل على أنه مباح لا مندوب ولا واجب وهذا مختار ابن الحاجب ومع أن ابن الحاجب والآمدى لا يعدان الأفعال التى لم يظهر فيها قصد القرية قربة يثاب فاعلها، فإنهما لا ينازعان في أن الآتي بها مثاب إذا قصد التأسى بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكمال الرابطة. وإذا كان المباح كالأكل والنوم يثاب فاعله بقصد التقوى على العبادة فثواب الفاعل لأفعال الرسول هذه بهذا القصد أولى وأجزل.

وأما ما تركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تكون بالفعل تكون بالترك. فكما كلفنا الله تعالى باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فعله الذى يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات، كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة. وكما لا تتقرب إلى الله تعالى بترك ما فعل لا تتقرب إليه بفعل ما ترك فلا

<<  <   >  >>