للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسميت ليلة القدر إما بمعنى ليلة التقدير؛ لأن الله تعالى ابتدأ فيها تقدير دينه وتحديد الخطة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في دعوة الناس إلى ما ينقذهم ممَّا كانوا فيه، أو بمعنى العظمة والشرف من قولهم: فلان له قدر، أي شرف وعظمة لأن الله تعالى قد أعلى فيها منزلة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وشرفه وعظمه بالرسالة. وقد جاء بما فيه الإشارة، بل التصريح بأنها ليلة جليلة بجلالة ما حصل فيها من إنزال القرآن فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (١): أي وما الذى يعلمك مبلغ شأنها ونباهة أمرها: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر} (٢) كرر ذكرها ثلاث مرات، جاء أحدها بالاستفهام الدال على أن شرفها ليس ممَّا تسهل إحاطة العلم به، ثم قال: إنها خير من ألف شهر؛ لأنَّه

قد مضى على الأمم آلاف من الشهور وهم يتخبطون في ظلمات الضلال، فليلة يسطع فيها نور الهدى بالقرآن خير من ألف شهر من شهورهم الأولى، والعدد إلا مفهوم له، بل الغرض منه التكثير، وأن أقل عدد تفضله هو ألف شهر، والشريعة الغراء تحث المؤمنين على إحيائها بالعبادة شكرًا لله تعالى على ما هداهم بهذا الدين الذى ابتدأ الله سبحانه إفاضته فيهم في أثنائها، ولهم أن يعبدوا الله فيها أفرادًا وجماعات، ومن رجح عنده خبر في ليلة أحياها، ومن أراد أن يوافقها على التحقيق فعليه أن يشكر الله تعالى بالفراغ إليه بالعبادة في الشهر كله، وهذا هو السر في عدم تعيينها، وتشير إليه آية البقرة فإنها تجعل الشهر كله ظرفًا لنزول القرآن ليذكر المؤمنون نعمة الله عليهم فيه فهى ليلة خشوع وعبادة وتذكر لنعمة الحق والدين. أفاده الأستاذ الإمام.

ولكن النظر في تخصيصها بالإحياء من بين الليالى فإنه يوهم الناس أن ذلك مشروع وليس كذلك فإنه - صلى الله عليه وسلم - حث على قيام ليالى رمضان كله وحث على التماس ليلة القدر في العشر الأواخر منه كما علمت، وهذا يفيد أن إحياء هذه الليلة بخصوصها وجعلها موسمًا لا أصل له فهو بدعة مضافة إلى إحيائها بغير ما رغب الشارع فيه، من إيقاد المنارات وغيرها وكثرة الوقود في المساجد إلى غير ذلك ممَّا لا فائدة فيه ولا غرض صحيح.

(خاتمة): في المواسم الأجنبية: ممَّا ابتلى به المسلمون وفشا بين العامة والخاصة مشاركة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كثير من مواسمهم،


(١) [سورة القدر: الآية ٢].
(٢) [سورة القدر: الآية ٣].

<<  <   >  >>