كاستحسان كثير من عوائدهم. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود: إن محمدًا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، وقال:"من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبودارد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم" صبغ من بابى نصر وقطع، والمراد أنهم كانوا لا يخضبون شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرة أو حمرة مثلًا، فخالفوهم واختضبوا بأى لون ما عدا السواد فإنه مكروه إلا في الجهاد وقال:"لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل عليهم" رواه البيهقي بإسناد صحيح من عمر رضى الله تعالى عنه. والرطانة بفتح الراء وكسرها:
الكلام بالأعجمية تقول: رطن له من باب كتب، وعن عمر رضي الله عنه أيضًا أنه قال:"اجتنبوا أعداء الله في عيدهم"".
فانظر هذا مع ما يقع من الناس اليوم من العناية بأعيادهم وعاداتهم، فتراههم يتركون أعمالهم من الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم في تلك المواسم ويتخذونها أيام فرح وراحة يوسعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثياب ويصبغون فيها البيض لأولادهم كما يصنع أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهذا وما شاكله مصداق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم"، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن غيرهم" رواه البخارى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه.
وناهيك ما يكون من الناس من البدع والمنكرات والخروج عن حدود الدين والأدب في يوم شم النسيم وما أدراك ما شم النسيم، هو عادة ابتدعها أهل الأوثان لتقديس بعض الأيام تفاؤلًا به أو تزلفًا لما كانوا يعبدون من دون الله فعمرت آلافًا من السنين حتى عمت المشرقين واشترك فيها العظيم والحقير والصغير والكبير ويا ليتها كانت سنة محمودة فيكون لمستنها أجر من عمل بها، ولكنها ضلال في الآداب وفساد في الأخلاق.