للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شُرعت المواسم والاجتماعات لتكون واسطة التعارف والتآلف وتبادل المنافع وانتشار العلوم والمعارف، وما مشروعية الصلاة والحج والعيدين في الإسلام إلا لهذا الغرض؛ لأن فيها تجتمع الخلائق على اختلاف طبقاتها في صعيد واحد، يعظهم الواعظ، وينصحهم الناصح، فيشعر كل منهم برابطته مع أخيه وحاجته إلى حسن معاملته وبقاء مودته.

فهل هذا اليوم (يوم شم النسيم) في مجتمعاتنا الشرعية التى تعود علينا بالخير والرحمة؟ (كلا) وحسبك أن تنظر في الأمصار، بل القرى فترى في ذلك اليوم ما يزرى بالفضيلة ويخجل معه وجه الحياء من منكرات تخالف الدين وسوءات تجرح الذوق السليم وينقبض لها صدر الإنسانية.

الرياضة واستنشاق الهواء ومشاهدة الأزهار من ضرورات الحياة في كل آن لا في ذلك اليوم الذى تمتلئ فيه المزارع والخلوات بجماعات الفجار: وفاسدى الأخلاق فتسربت إلها المفاسد وعمتها الدنايا فصارت سوقًا للفسوق والعصيان

ومرتعًا لإراقة الحياء وهتك الحجاب (نعم) لا تمر بمزرعة أو طريق إلا وترى فيه ما يخجل كل شريف ويؤلم كل حى، فأجدر به أن يسمى يوم الشؤم والفجور.

ترى المركبات والسيارات تتكدس بجماعة عاطلين يموج بعضهم في بعض بين شيب وشبان، ونساء وولدان ينزحون إلى البساتين والأنهار، ترى السفن فوق الماء مملوءة بالشبان يفسقون بالنساء على ظهر الماء، يفرطون في تناول المسكرات وارتكاب المخازى، فاتبعوا خطوات الشيطان في السوء الفحشاء في البر والبحر، وأضاعوا ثمرة الاجتماع فكان شرًّا على شر ووبالًا على وبال.

تراهم ينطقون بما تصان الآذان عن سماعه ويخاطبون المارة كما يشاءون من قبيح الألفاظ وبذئ العبارات كأن هذا اليوم قد أبيحت لهم فيه جميع الخبائث وارتفع عنهم فيه حواجز التكليف {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (١) (فعلى) من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم، ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه، حتى لا يشارك اليهود


(١) [سورة المجادلة: الآية ١٩].

<<  <   >  >>