للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتفسير القرآن والسنة وتدوين كل ذلك. وبالجملة كل ما حدث مما يرجع إلى حفظ الدين من ضياع أو تحريف كالرد على أهل البدع والأهواء المحرمة كالقدرية والمجسمة، فإن تبليغ الدين إلى من بعدنا واجب إجماعًا وإهمال ذلك حرام كذلك، أو يرجع إلى تفهمه، فإن التفقه في الدين أيضًا واجب. فهذا كله ونحوه معلوم حسنه، ظاهر فائدته؛ لأنَّه إما أن يكون له أصل يشهد له في الجملة فيكون من قبيل المصالح المرسلة، وإما من قبيل ما إلا يتم الواجب إلَّا به وتسمية مثل ذلك بدعة، باعتبار عدم وجوده في العهد النبوى، كما سمى عمر صلاة التراويح

بدعة وإلَّا فهى من السنن اللاحقة بسنته - صلى الله عليه وسلم - أعنى سنة الخلفاء الراشدين كما يفيده حديث: "فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضُّوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة". فعلى هذا يكون قوله: "وإياكم ومحدثات الأمور" مما دخله التخصيص إذ سنة الخلفاء الراشدين منها مع أنَّا أمِرنا باتباعها لرجوعها إلى أصل شرعى.

الثانية: البدعة المندوبة: وهى ما تناولته قواعد الندب وأدلته، كصلاة التراويح على الهيئة المعروفة من مواظبة الناس عليها الشهر كله عشرين ركعة كل ليلة واجتماعهم على قارئ واحد فإنها لم تكن كذلك على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعهد أبى بكر رضى اللّه عنه وصدر من خلافة عمر رضى اللّه عنه إلى أن تشاور فيها ورآها بدعة حسنة. وقد روى عن على كرم اللّه وجهه أنه خرج أول ليلة من رمضان والقناديل تزهر (١) في المساجد وكتاب اللّه يتلى، فجعل ينادى نور اللّه لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد اللّه بالقرآن.

(ومنها): إقامة صور (مظاهر) الأئمة والقضاة وولاة الأمور على خلاف ما كان عليه حال الصحابة رضى الله عنهما، بسبب أن المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلَّا بعظمة الولاة في نفوس الناس. وكان الناس في زمن الصحابة معظم تعظيمهم بالدين وسبق الهجرة، ثم تغير الحال وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون إلَّا بالصور فجاز تفخيم الصور حتى تقوم المصالح.


(١) زهرت النار: أضاءت وبابه خضع، وأزهرها غيرها، والأزهر النير ويسمى القمر الأزهر، والأزهران الشمس والقمر.

<<  <   >  >>