(ومن هذه المفاسد) المبيت (١) فيها وإيقاد السراج والشمع ونحوه على القبور، ففى الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام:"لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج" رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يتبع الميت بنار فكيف يفعل ذلك على قبره؟ قال العلامة البركوى: فكل ما لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من الكبائر. وقد صرح الفقهاء بتحريمه إذا لو كان اتخاذ السرج عليها مباحًا لم يلعن من فعله. واللعن لما فيه من تضييع المال في غير فائدة، والإفراط في تعظيم القبور تشبهًا بتعظيم الأصنام.
ولهذا قال العلماء: لا يجوز النذر للقبور لا شمع ولا زيت ولا غير ذلك فإنه نذر معصية لا يجوز الوفاء به بالاتفاق ولا أن يوقف عليها شيء لأجل ذلك فإن هذا الوقف لا يصح ولا يحل إثباته وتنفيذه، ففى "الدر المختار" وحواشيه من كتب الحنفية ما ملخصه:
اعلم أن النذر الذى يقع للأموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم أو الشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقربًا إليهم كأن يقول: يا سيدى فلان إن رد غائبى أو عوفى مريضى أو قضيت حاجتى فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا فهو بالإجماع باطل وحرام لوجوه:
(منها): أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز لأنَّه عبادة وهى لا تكون إلَّا لله، (ومنها): أن المنذور له ميت والميت لا يملك، (ومنها): أنه أن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى فاعتقاده ذلك كفر والعياذ بالله.
اللهم إلَّا أن قال: يا الله إنى نذرت لك إن شفيت مريضى أو رددت غائبى
أو قضيت حاجتى أن أطعم الفقراء الذين بباب الولى الفلانى أو أشترى
(١) أشار المغفور له الملك فؤاد الأول بمنع المبيت في المقابر، فاستراحت الأحياء والأموات وصينت الأعراض من الانتهاك، حفظت، الأموال من الضياع ولا سبيل لمنع التبرج والتهتك إلا مثل هذه الإرادة السنية.