الغرض من الزيارة يكون برؤية القبور من غير معرفة أصحابها ولو قبور الكفار، ومن الزيارة التى يرجع نفعها إلى الزائر ما تكون لأداء حق كصديق ووالد فإنها وفاء وبر.
وأما إحسانه إلى الميت فبالسلام عليه والدعاء له بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية، وحينئذ فتسن الزيارة لكل مسلم، ففى الحديث الصحيح عن بريدة رضى الله عنه:"أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام عليكم يا أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع، نسأل الله لنا ولكم العافية" رواه مسلم، وفى حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مر رسول الله صلي - صلى الله عليه وسلم - بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال:"السلاح عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر" رواه الترمذى وحسنه. والأثَرَ بفتحتين وررى بكسر فسكون: أي على عقبكم.
فإنه صلى الله عليه وآله وسلم بين لنا فائدة زيارة القبور، وهى إحسان الزائر إلى نفسه بتذكر الموت والآخرة والزهد في الدنيا والاتعاظ والاعتبار، وإلى أهل القبور بالسلام عليهم كما كانوا في حال حياتهم، والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة وسؤال العافية من جميع المحن.
فينبغى لمن يزور قبر الميت وليًّا كان أو غيره من المؤمنين أن يسلم عليهم ويسأل لهما العافية ويستغفر ويترحم، ثم يعتبر بحال من زار وما صار إليه حاله، وماذا سئل عنه، وبماذا أجاب، وهل قبره روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ثم يجعل نفسه كأنه مات ودخل القبر وذهب عنه أهله وماله وولده ومعارفه وبقى وحيدًا فريدًا ليس معه سوى عمله وهو الآن يسأل، فماذا يجيب، وما يكون حاله؟ ويملأ قلبه بهذا الاعتبار ويتعلق بمولاه بالخلاص من هذه الأمور الخطيرة التى لا يخلص منها إلا الاستقامة مع إحسان الله ورحمته، فعن أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:"يتبع الميت ثلاث: أهله وماله وعمله فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله" متفق عليه.