للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوصانى أن أقول الحق وإن كان مرًّا" رواه ابن حبان في صحيحه. ولا يحابى نحو صديق، فإن حق الصديق أن ينصح لصديقه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها ويسعى في عمارة آخرته وإن نقصت دنياه، بخلاف العدو فإنه الذى يسعى في فساد آخرته وإن حصل به صورة نفع دنيوى "والمؤمن مرآة أخيه" ولهذا كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أولياء المؤمنين، وإبليس لعنه الله تعالى عدوهم.

جاعلًا نصب عينيه قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ

أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (١) فإنها نعم الطريق رسمه تعالى لحبيبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فالتزمه وسار عليه فأفلح في مهمته وظفر بمطلوبه، ومن تحلَّى باللِّين، وتجمَّل بالرِّفق ملك نواصى القلوب واستولى على الأرواح، قال الإمام الشافعى رحمه الله: "من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فقد فضحه وشانه" والله الهادى إلى سواء السبيل.

كيفَ تُقَاوِم البِدَع؟

أعلم أن البدعة إما أن تكون اعتقادية وإما أن تكون عملية كما تقدم في أقسام البدعة (فإذا كانت اعتقادية) فلا ننكرها وجوبًا على معتقدها على سبيل الابتداع إلَّا إذا علم قطعًا أنها خلاف الحق بأن قام الدليل القاطع على بطلانها كاعتقاد المجسمة والرافضة - ويلزم أن يكون الإنكار على التفصيل الذى تقدم للإمام الغزالى - أما ما علم بطلانه ظنًّا كاعتقاد أنه تعالى متكلم بمعنى أنه خالق للكلام فلا يجب إنكاره، بل يسن على سبيل النصيحة بلين ورفق.

وإن كانت عملية كمسح الشيعة على الرجلين بدل المسح على الخفين فالإنكار عليها إما من جهة الاعتقاد أومن جهة مباشرة الفعل:

(فالأول): إنما يكون إذا علمنا حرمة اعتقاد فاعلها على التفصيل المتقدم كأن اعتقدها دينًا وليست منه، وكذا إذا علمنا أنها تجر العامة إلى اعتقاد أنها دين وليست كذلك، وإلَّا ندب الإنكار حينئذ فإن ما يؤدى إلى المفسدة إنما ينكر وجوبًا إذا كان بحيث يؤدى إليها يقينًا أو ظنًّا وإلَّا فهو مكروه يندب النهى عنه.


(١) [سورة النحل: الآية ١٢٥].

<<  <   >  >>