للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البدعة كان له ذلك لا لغيره، فإن ما يكون بإذن السلطان لا يعارض بخلاف ما يكون من جهة الآحاد.

وعلى الجملة فالحسبة في البدعة أهم من الحسبة في كل المنكرات، ولكن ينبغى أن يراعى فيها هذا التفصيل الذى ذكرناه كى لا يقابل الأمر فيها ولا ينجر إلى تحريك الفتنة. انتهى باختصار وهو كلام حسن يفيد أن جميع المسائل الفقهية اجتهادية خلاف ما قاله ابن تيمية من أنها لم يرد فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا، ويفيد قاعدة كلية ينضبط بها ما لا إنكار فيه من مسائل الخلاف وما فيه إنكار منها.

(تنبيه): اتفق العلماء على أنه يستحب الخروج من الخلاف حيث أمكن بأن كان للفعل وجه مجمع عليه كمسح الرأس، فإن لم يكن كالوتر فلا، وكذا لا يستحب إذا لزم الوقوع في مخالفة السنة، فلا يستحب لشافعى دخل المسجد

وقت الكراهة ترك تحية المسجد مراعاة لمذهب من يرى ذلك لما فيه من ترك السنة، فإذا قصد بالإنكار على المختلف فيه ندب الفاعل إلى مراعاة الخلاف بشرطه ساغ الإنكار، بل كان مندوبًا إليه.

وجملة القول: هذا باب شأنه عظيم وخطره جسيم، وإذا كثر الخبث ولم يأخذوا على أيدى الظلمة عم العقاب الصالح والطالح، فإن الساكت شريك الجانى كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا إلَّا يوشك أن يعمهم اللَّه بعقابه" رواه أبو داود، فواجب على من يتصدى للإرشاد أن يعنى بهذا الباب فإنه قوام الأمر وملاكه ولا يهاب من ينكر عليه مهما علت رتبته فإن الناس أمام شرع الله سواء والله تعالى وعد العاملين المخلصين النصر. قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (١)، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (٢).

وذو الإيمان الصحيح والعزيمة الصادقة لا يبالى بما ينوبه من وراء الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. قال تعالى: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٣). ولا تأخذه في الله لومة لائم.

فعن أبى ذر الغفارى رضي الله عنه قال: "أوصانى خليلى بخصال من الخير: أوصانى أن لا أخاف في الله لومة لائم،


(١) [سورة الحج: الآية ٤٠].
(٢) [سورة محمد، الآية ٤٠].
(٣) [سورة لقمان: الآية ١٧].

<<  <   >  >>