للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلام الله مخلوق، ولا على الحشوى في قوله: إن الله تعالى جسم وله صورة، وأنَّه مستقر على العرش، بل لا ينبغى أن يعترض على الفلسفى في قوله: الأجساد لا تبعث وإنما تبعث النفوس، لأن هؤلاء أيضًا أدى اجتهادهم إلى ما قالوه وهم يظنون أن ذلك هو الحق.

فإن قلت: بطلان مذهب هؤلاء ظاهر فبطلان مذهب من يخالف نص الحديث الصحيح أيضًا ظاهر، وكما ثبت بظواهر النصوص أن الله تعالى يُرى والمعتزلى ينكرها بالتأويل، فكذلك ثبت بظواهر النصوص مسائل خالف فيها الحنفى كمسألة النكاح بلا ولى، ومسألة شفعة الجوار ونظائرهما، فاعلم أن المسائل تنقسم

إلى ما يتصور أن يقال فيه: (كل مجتهد مصيب) وهو أحكام الأفعال في الحل والحرمة، وذلك هو الذى لا يعترض على المجتهدين فيه، إذ لا يعلم خطؤهم قطعًا، بل ظنًّا، إلى ما لا يتصور أن يكون المصيب فيه إلَّا واحدًا كمسألة الرؤية والقدر، وقدم الكلام، ونفى الصورة والجسمية والاستقرار عن الله تعالى، فهذا ممَّا يعلم خطأ المخطئ فيه قطعًا، ولا يبقى لخطئه الذى هو جهل محض وجه.

فإذن البدع كلها ينبغى أن تحسم أبوابها، وتنكر على المبتدعين بدعهم وإن اعتقدوا أنها الحق، كما نرد على اليهود والنصارى كفرهم وإن كانوا يعتقدون أن ذلك حق؛ لأن خطأهم معلوم على القطع، بخلاف الخطأ في مظان الاجتهاد.

فإن قلت: فمهما اعترضت على القدرى في قوله: الشر ليس من الله اعترض عليك القدرى أيضًا في قولك: الشر من الله، وكذلك في قولك: إن الله يُرى وفى سائر المسائل، إذ المبتدع محق عند نفسه، والمحق مبتدع عند المبتدع، وكل يدعى أنه محق وينكر كونه مبتدعًا فكيف يتم الاحتساب.

فاعلم أنا لأجل هذا التعارض نقول ينظر إلى أهل البلدة التى أظهرت البدعة فيها، فإن كانت البدعة غريبة والناس كلهما على السنة فلهم النهى عنها حسبة بغير إذن السلطان، وإن انقسم أهل البلد إلى أهل السنة وأهل البدعة وكان في الاعتراض تحريك فتنة بالمقاتلة فليس للآحاد الحسبة في المذاهب إلَّا بنص السلطان، فإذا أذن لواحد أن يزجر المبتدعة عن إظهار

<<  <   >  >>