للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالكسوة، فإن في ذلك من المفاسد والمحرمات ما لا يخفى على أحد. فيجب على كل عاقل ذى دين غيور على الحرمات أن يمنع بتاتًا حيث لا يمكن الإتيان بهذه الرسوم خالية عن هذه المنكرات، ومن عجز عن تغيير المنكر وجب ابتعاده عنه وبالله تعالى التوفيق.

الفصل السادس في بِدَع الأعْيَاد والمَوَاسِم

أعلم أن لله تعالى نفحات يتعرض لها الموفقون من عباده، ويغفل عنها المخذولون، وأنَّه عزت قدرته، وجلت حكمته قد فضل بعض الأيام والليالى والأشهر على بعض حسبما اقتضته حكمته البالغة، ثم أرشد عباده إليها طالبًا منهم أن يجدوا في وجوه البر ويكثروا فيها من صالح الأعمال، عسى أن يمسهم شيء من رضوانه وإحسانه. والأعياد والمواسم هى تلك الأوقات الفاضلة التى رسمها الشارع لطلب القرب منه والقيام بشكره على ما تفضل به من جلائل النعم. والعيد ما يكثر عوائد الله فيه بالإحسان على عبيده، والمواسم معالم الخيرات ومظان التجارات التى بالغفلة عنها يفوت الربح العظيم، كما أن البضائع لا تروج إلا في مواسم خاصة، والله تعالى إذا أحب عبدًا شرح صدره للخير، واستعمله في هذه الأوقات الفاضلة في أفضل الأعمال ليثيبه أفضل الثواب.

ولكن الشيطان لعنه الله قد آلى على نفسه أن يصد الناس عن سواء السبيل ويقعد لهم بكل صراط مستقيم ليحول بينهم وبين إحسان الله ورحمته ويقذف بهم في مهاوى الشقاء والحرمان، فزين لهم أن هذه الأوقات اعتبرت مجالًا للراحة واللعب وميدانًا للذات والشهوات، ورسم لهما فيها من ضروب الهوى والغواية ما استمال به قلوبهم، وصرفهم بذلك عن الهدى والرشد، ووضع لهم مكان كل سنة بدعة، حتى تعرضوا فيها لمقت الله وغضبه بدل رضوانه وإحسانه، مع أن الدين واضح، والحلال بين، والحرام بين، والسنة جلية نيرة، والبدعة خفية مظلمة فلا تكون السنة يومًا بدعة كما لا تكون البدعة يومًا سنة إلا إذا عميت البصائر وانصرفت النفوس عن هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار كل وراء شهوته

<<  <   >  >>