الحمد للَّه الذى خلق العباد لما شاء، ويسرهم لما خلقوا له على وفق علمه وإرادته، وصرفهم بمقتضى حكمته، فمنهم شقى وسعيد، وهداهم النجدين فمنهم قريب وبعيد، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد نبى الرحمة، ومرشد الأمة وكاشف الغمة، الذى نسخت شريعته كل شريعة، وشملت دعوته كل أمة، فلم يبق لأحد حجة دون حجته، ولا استقام لعاقل طريق سوى واضح محجته، جمعت سنته تحت حكمتها كل معنى حكيم فلا يسمع بعد بيانها خلاف مخالف ولا قول مختلف. من سلك سبيلها فهو على نور من ربه، وبصيرة من أمره، معدود في الفرقة الناجية، والمائل عنها واقع في ظلمته، مرتبك في حيرته، مردود إلى الفرق المقصرة أو الغالية، وعلى آله وصحبه الذين اهتدوا بشمسه المنيرة، واقتفوا آثاره اللائحة، وأنواره الواضحة، ومن أحيا سنته واهتدى بهديه.
أما بعد: فهذا مختصر نفيس، ومهذب لطيف في أصول البدع وفروعها وعادات العامة وأوهامها، طبق ما قرره مجلس الأزهر الأعلى من مناهج التعليم في مجموعة الوعظ والخطابة بالجامع الأزهر الشريف، اقتصرت فيه على ما لابد منه لمن يتصدى لمحاربة البدع المذمومة، والعوائد القبيحة، وسلكت فيه سبيل الاعتدال فكان وسطًا بين الإفراط والتفريط، ورتبته على مقدمة وبابين وخاتمة، وسميته (الإبداع في مضار الابتداع)، واللَّه تعالى أسأل أن يجعله عملًا خالصًا، ويجعل ظل الانتفاع به ممدودًا، والأجر على العناء فيه كاملًا، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلى العظيم.