للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جواز فعله وتركه (أي أنه مباح) حتى يقوم الدليل على منعه أو كراهته. وإن صح أن السلف لم يفعلوه، فالترك لا يوجب حكمًا في المتروك إلا جواز الترك لا تحريمًا ولا كراهية، قال: إن إطلاق القول بأن الترك لا يوجب حكمًا في المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج خاصة غير جار على أصول الشرع الثابتة فنقول: إن هنا أصلًا لهذه المسألة وذلك أن سكوت الشارع عن الحكم في مسألة ما أو تركه لأمر ما على ضربين: ضرب سكت

عنه الشارع لعدم المقتضى له كالنوازل الحادثة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها لم تكن موجودة ثم سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر فيها وإجرائها على ما تبين في الكليات التى كمل بها الدين. وإلى هذا الضرب ترجع جميع المسائل التى نظر فيها السلف الصالح كتضمين الصناع والجد مع الإخوة وعول الفرائض وجمع المصحف وتدوين الشرائع مما لم يحتج في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم إلى تقريره وهذا الضرب ينظر فيه المجتهدون عند وجود سببه، فالسكوت عنها على الخصوص ليس بحكم يقتضى جواز الترك.

والضرب الثانى أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص أو يترك أمرًا من الأمور وموجبه المقتضى له قائم وسببه في زمان الوحى موجود ولم يحدد فيه الشارع أمرًا زائدًا على ما كان من الدين، فهذا القسم باعتبار خصوصه هو البدعة المذمومة شرعًا لأنَّه لما كان الموجب لشرعية الحكم موجودًا ثم لم يشرع كان صريحًا في أن الزائد على ماثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد الشارع، إذ فهما من قصده الوقوف عند ما حد هنالك بلا زيادة عليه ولا نقصان منه كسجود الشكر عند الإمام مالك رضى الله عنه. ووجه كونه بدعة عنده أن السكوت عنه مع قيام المقتضى لفعله إجماع من كل ساكت على أنه زائد على ما كان إذ لو كان ذلك لائقًا شرعًا لفعلوه فهما كانوا أحق بإدراكه والسبق إلى العمل به.

ثم قال أيضًا: ومن هذا الأصل يؤخذ إسقاط الزكاة من الخضر والبقول مع عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فيما سقت السماء والعيون والبعل العُشْر وفيما سقى بالنضح نصف

<<  <   >  >>