بل تجب عليهم طاعته والحكم بنفوذ ولايته وصحة إمامته لهذا النظر المصلحى. قال ابن العربى: وقد قال ابن الخياط: إن بيعة ابن عمر ليزيد كانت كرهًا، وأين يزيد من ابن عمر، ولكن رأى بدينه وعلمه التسليم لأمر الله والفرار من فتنة تذهب بالأموال والأنفس. فخلع يزيد يعرض للفتنة وهو لا يجوز مع العلم بأن الخلافة تعود إلى مستحقها، فكيف وذلك غير معلوم لجواز أن ينتصر ويبقى الأمر في يده وينكل بمن خلعوه أو تصير إلى مثله أو شر منه!؟ وروى البخارى عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه ووالده فقال: إنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة" وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة اللّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وإنى لا أعلم أحدًا منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بينى وبينه.
فهذه الأمثلة تريك بُعْد ما بين البدع والمصالح المرسلة؛ لأن البدعة كما سبق هى:(طريقة في الدين مخترعة تضاهى الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد للّه تعالى) فهى ظاهرة في التعبدات وعامة التعبدات لا يعقل لها معنى على التفصيل (والمصالح المرسلة) عامة النطر فيها إنما هو فيما عقل منها وجرى على المناسبات المعقولة التى إذا عرضت على العقول تلقتها بالقبول، فلا مدخل لها في التعبدات ولا فيما جرى مجراها.
فحاصل المصالح المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضرورى، أو رفع حرج لازم في الدين. فجمع المصحف حفظ للشريعة بحفظ أصلها وكتابته سد لباب الاختلاف فيه وتعزير الشارب بحده ثمانين للمحافظة على العقل، وتضمين الصناع لحفظ الصنعة والمال، وقتل الجماعة بالواحد لحفظ النفس والأطراف، ومبايعة المقلد لحفظ مصالح الأمة، وجواز الحبس والضرب في التهم للاحتيال لحفظ المال، وتوظيف الإمام شيئًا على الأغنياء هو حفظ لأرواح الجند ولشوكة الإمام، والعاقبة بالمال لحفظ التعامل وتبادل المنافع وإباحة ما زاد على سد الرمق هو رفع حرج لتحفظ المصالح وبها يحفظ الدين، والرضا بإمامة المفضول مع وجود الفاضل هو حفظ لكيان الأمة
وعدم المخاطرة بالنفوس والأموال. ومن ذلك تعرف أن البدع كالمضادة للمصالح المرسلة؛ لأن البدع تكون في التعبدات ومن شأنها أن تكون