للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأموال، بل ترك التعذيب أشد ضررًا إذ لا يعذب المتهم بمجرد الدعوى، بل مع قيام قرينة توجب ظن أنه الفاعل. فالتعذيب في الغالب لا يصادف البرئ وإن صادفه اغتفر كما اغتفر تضمين الصانع مع جواز أنه برئ.

٧ - إذا خلا بيت المال وزادت حاجة الجند إلى المال فللإمام إذا كان عدلًا أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيًا لهم في الحال إلى أن يوجد مال في بيت المال. ووجه المصلحة هنا ظاهر، فإنه لو لم يفعل الإمام ذلك بطلت شوكته واختل الأمن وصارت البلاد عرضة للذل والاستعباد باستيلاء الأعداء. وإذا قارنا هذا الضرر العظيم بالضرر اللاحق بالأغنياء بأخذ البعض من أموالهم فلا مرية في اختيار الثانى على الأول، وهو مما يعلم من مقاصد الشرع قبل النظر في الشواهد.

٨ - ما قاله بعض العلماء من أن للإمام أن يعاقب بالمال إذا رأى المصلحة في ذلك كأن تكون جناية الجانى في نفس ذلك، المال أو في عوضه. فالعقوبة فيه عند الإمام مالك ثابتة، فإنه قال في "الزعفران المغشوش": إذا وجد بيد الذى غشه أنه يتصدق به على المساكين.

ومن مسائل الإمام مالك: إذا اشترى المسلم خمرًا من نصرانى فإنه يكسر على المسلم ويتصدق بالثمن أدبًا للنصرانى قبل قبضه، وذلك مروى عن عمر رضى اللّه عنه، وأنَّه أراق اللبن المغشوش بالماء تأديبًا للغاش، وذلك التأديب لا نص يشهد له، لكنه من باب الحكم على الخاصة لأجل العامة، ونظيره تضمين الصناع.

٩ - إذا طبق الحرام الأرض أو ناحية يعسر الانتقال منها وانسدت طرق المكاسب الطيبة ومست الحاجة إلى الزيادة على سد الرمق فيجوز الزيادة؛ إذ لو اقتصر على سد الرمق لتعطلت المكاسب والأعمال التى عليها مدار نظام الدنيا وفى ذلك مضيعة للدين وذلك ملائم لتصرفات الشرع وإن لم ينص على عينه، فإنه أجاز الميتة للمضطر والدم ولحم الخنزير، وأجازوا أخذ مال الغير أيضًا عند الضرورة فما نحن فيه لا يقصر عن ذلك.

١٠ - إذا بويع رجل على الإمامة الكبرى واستتب به الأمن صف وظهر من هو أكفأ منه، ولو خلع الأول لثارت الفتن واضطربت الأمور فالمصلحة قاضية ببقاء الأول ارتكابًا لأخف الضررين، فهو ملائم لتصرفات الشرع، وإن لم يعضده نص على التعيين. وإلا يجوز لهم خلعه والاستبدال به،

<<  <   >  >>