وما تركت شيئًا يبعدكم عن اللَّه تعالى إلا وقد نهيتكم عنه". وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفعله وتركه هو من اتباع المتشابه الذى نهى الله عنه. ولو عولنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان لا نفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده ولا يقف الاختراع في الدين عند حد. وإليك أمثلة في ذلك زيادة على ما تقدم:
الأول: جاء في حديث الطبرانى: "الصلاة خير موضوع" لو تمسكنا بعموم هذا كيف تكون صلاة الرغائب بدعة مذمومة، وهى اثنتا عشرة ركعة عقب المغرب ليلة الجمعة الأولى من رجب يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاث مرات، والإخلاص اثنتى عشرة مرة، وكيف تكون صلاة
شعبان بدعة مذمومة وهى مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة الإخلاص إحدى عشرة مرة مع دخولهما في عموم الحديث. وقد نص العلماء على أنهما بدعتان قبيحتان مذمومتان كما يأتى. قال الإمام النووى في صلاة الرغائب: ليس لأحد أن يستدل على شرعيتها بما روى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الصلاة خير موضوع" فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه وقد صح النهى عن الصلاة في الأوقات المكروهة. اهـ.
أي أن الحديث ليس على عمومه أن تكرار السورة الواحدة في التلاوة أو في الركعة الواحدة من البدع المكروهة فإن التلاوة لم تشرع على هذا الوجه، ولا أن يخص من القرآن شيء دون شيء لا في صلاة ولا في غيرها فصار المخصص لها عاملًا برأيه في القصد لله تعالى. فقد أخرج ابن وضاح عن مصعب قال: سُئل سفيان عن رجل يكثر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(١) لا يقرأ غيرها كما يقرؤها فكرهه، وقال: إنما أنتم متبعون فاتبعوا الأولين، ولم يبلغنا عنهم نحو هذا، وإنما أنزل القرآن ليقرأ ولا يخص شيء دون شيء.
وخرج أيضًا في العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك -رحمه الله - أنه سُئل عن قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(١) مرارًا في الركعة الواحدة فكره ذلك وقال: هذا من محدثات الأمور التى أحدثوا. ومحمل هذا عند ابن رشد من باب الذريعة ولأجل ذلك لم يأت مثله عن السلف - وإن كانت تعدل ثلث القرآن كما في الصحيح - فالتكرار عمل محدث في