للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك فهو يدخل في عموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (١)، وقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} (٢) فيقول: هذا زيادة عمل صالح لايضر لأنَّه يقال له هكذا تتغير شرائع الرسل، فإن الزيادة لو جازت لجاز أن يصلى الفجر أربعًا والظهر ستًّا ويقال: هذا عمل صالح زيادته لا تضر. لكن أهل السنة يتبعون النبي صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه في الفعل والترك. فإن الله تعالى قد بين لنا الشرائع وأتم لنا الدين فهذا هو من غير زيادة أو نقص. فالزيادة عليه كالنقصان فنعبده بما شرع ولا نعبده بالبدع. فعقولنا عن مثل ذلك قاصرة، وآراؤنا إذًا كاسدة خاسرة والعقول لا تهتدى إلى الأسرار الإلهية فيما شرعه من الأحكام الدينية.

أو ما ترى كيف نوديت إلى الصلاة دائمًا ونهيت عنها في الأوقات الخمسة وذلك ينتهى إلى قدر ثلث النهار. فينبغى للمسلم أن يكون حريصًا على التفتيش عن أحوال الصحابة وأعمالهم فهم السواد الأعظم ومنهم يعرف الحسن من القبيح والمرجوح من الرجيح، وإذا وقع أمر ينظر فيه إلى قواعد المجتهدين الذين هم السلف لمن خلف فإن وافق أصولهم قَبِلَه بِقَلْبِه وإلا فلينبذه وراء ظهره، وليتبصر في جلية أمره، لا يغتر بعوائد الناس فإنها السموم القاتلة والداء العضال، وعين المشاقة المؤدية إلى الضلال. وقد كان هشام بن عروة يقول: "لا تسألوا الناس اليوم عما أحدثوه فإنهم قد أعدوا له جوابًا، ولكن سلوهم عن السنة فإنهم لا يعرفونها"، وأخرج أبو داود عن حذيفة: "كل عبادة لم تفعلها الصحابة فلا تفعلوها"، وأخرج البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع".

وقد علمت من نصوص علماء المذاهب الأربعة أن ما تركه النبي صلوات الله وسلامه عليه مع قيام المقتضى على فعله فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة وعلمت أن لا معنى للابتداع في العبادات المحضة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفارق الدنيا إلا بعد أن أكمل الله الدين وأتم نعمته على المسلمين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (٣).

وروى الطبرانى بسند صحيح عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه:

"ما تركت شيئًا يقربكم إلى اللَّه تعالى إلا وقد أمرتكم به،


(١) [سورة الأحزاب: الآية ٤١].
(٢) [سورة فصلت: الآية ٣٣].
(٣) [سورة المائدة: الآية ٣].

<<  <   >  >>