للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن النكرة في سياق النفى تعم، والضر إلحاق الأذى بالغير مطلقًا، والضرار إلحاقه به على وجه المقابلة بالمثل وخبر لا محذوف، أي موجودان في ديننا.

والحديث خبر بمعنى النهى أي لا يضر أحد غيره ولا يجازيه على إضراره، بل يعفو ويصفح، أي لا يضر من لا يضره، ومن يضره، فالضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه. وقد أخذ الأئمة منه القاعدة المشهورة (وهى أن الضرر يزال) وبنوا عليها كثيرًا من أبواب الفقه كالرد بالعيب، وجميع أنواع الخيار من إخلاف الوصف المشروط، والتغرير، وإفلاس المشترى وغير ذلك، وكدفع الصائل، وقتال المشركين والبغاة، وفسخ النكاح بالعيوب أو الإعسار.

ويتعلق بهذه القاعدة جملة قواعد:

(منها): ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها كالمضطر لا يأكل من الميتة إلَّا بقدر سد الرمق.

(ومنها): الضرر لا يزال بالضرر وهى مقيدة لقاعدة الضرر يزال أي يزال ولكن لا بضرر، ومن فروعها أن لا يأكل المضطر طعام مضطر آخر.

(ومنها): إذا تعارض مفسدتان روعى أكبرهما ضررًا بارتكاب أخفهما وهذه القاعدة في معنى الاستثناء من القاعدة الثانية.

(ومنها): درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هى نطر التى قبلها في أن كلا فيه تقديم شئ على شيء وغير ذلك كثير.

ومن القواعد العامة قول الأئمة رضى اللّه عنهم أجمعين الضرورات تبيح المحظورات، أخذوها من آية: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (١) فتلك هى القوانين العامة التى يرجع إليها في نوع العاملات.

صفوة القول أن الشارع الحكيم قد رسم للناس في العبادات طرقًا معينة على كيفيات معينة، وألزمهم الوقوف عندها، كجعل الصلوات عددًا معينًا بكيفية معينة في أوقات معينة بطهارة مخصوصة، وجعل الصيام في شهر مخصوص في النهار لا في الليل، والحج عملًا مخصوصًا بكيفية مخصوصة فلا يجوز لهم أن يزيدوا في العبادة ولا أن ينقصوا منها، كما لا يجوز لهم أن يخترعوا في العبادة هيئة لم يرسمها الدين: كالقراءة في الركوع أو السجود، أو التشهد في القيام بدل القعود، أو التسبيح في القيام بدل القراءة، أو الجهر في السرية، والإسرار بالجهرية .. وما إلى ذلك من الهيئات التى لم يأذن بها الله ولا رسوله الأمين ولم يرشد إلى


(١) [سورة الأنعام: الآية ١١٩].

<<  <   >  >>