للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عرف الفقهاء بالمصالح المرسلة، وقاعدتها أن يناط الأمر باعتبار مناسب، لم يدل الشرع على اعتباره، ولا إلغائه، إلا أنه ملائم لتصرفات الشرع، بأن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشارع في الجملة، بغير دليل معين، كما سيتضح لك بالأمثلة الآتية.

ثم إن من الناس من تشتبه عليه البدع بالمصالح المرسلة، ومنشأ الغلط أن المصالح المرسلة يرجع معناها إلى اعتبار المناسب الذى لا يشهد له أصل معين، فليس له شاهد شرعى على الخصوص، فلما كان هاهنا موضع اشتباه لأن البدع والمصالح المرسلة يجريان من واد واحد وهو أن كلًّا منهما لم يقم على خصوصه دليل شرعى وجب الفرق بينهما.

وقد عرفت مما تقدم ما هى البدعة، ولم يبق إلا أن تعرف ما هى المصالح المرسلة، فنقول: قال المحقق الشاطبى ما ملخصه:

قسم الأصوليون المناسب الذى هو مناط الحكم إلى ما علم اعتبار الشرع له كمشروعية القصاص حفظًا للنفوس والأطراف وغيرها. وما علم إلغاؤه له كالقادر على إعتاق الرقبة في كفارة الوقاع في نهار رمضان لا يعدل إلى صيام شهرين متتابعين مع أن الإعتاق لا يزجره ويزجره الصوم، وما لا يعلم اعتباره ولا إلغاؤه،

وهو الذى لا يشهد له أصل معين بالاعتبار، بل يؤخذ من مقاصد الشرع العامة فيعد من وسائلها. وهذا القسم هو الذى يسمونه بالمصالح المرسلة أي المطلقة: عما يدل على اعتبارها أو إلغائها شرعًا. وإليك عشرة أمثلة للمصالح المرسلة حتى يتبين الفرق بينهما، ويعلم أن البدع ليست من المصالح المرسلة في شيء:

أ- أن أصحاب رسول الله صلى اللّه عليه وآله وسلم اتفقوا على جمع المصحف كما تقدم وليس ثم نص على جمعه وكتبه أيضًا، وقد ذهب عمر بن الخطاب إلى أبى بكر الصديق رضي الله عنهما وأخبره أن القتل قد استحر -أي اشتد وكثر- بالقراء يوم اليمامة وأخشى أن يستحر بهم في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير وأرى أن تأمر بجمع القرآن. وما زال به عمر حتى شرح اللّه صدره لجمعه ورأى أبو بكر الذى رآه عمر فأرسل إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقال له: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فتتبع القرآن فاجمعه، قال زيد:

<<  <   >  >>