للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأحد أنه تناول الطعام مع آخر في إناء واحد، ورأى منه ما لا يحب يعيره بعدم قيامه بحق العيش والملح.

(ومنها): أن الاجتماع على الطعاء مظهر عظيم من مظاهر الإنسانية، ولذلك ترى غير الإنسان من البهائم والطيور مثلًا قلما يتفق مع آخر حين تناول الطعام، بك يقع بينهما التنازع حرصًا على الانفراد بالمأكول فيكون اجتماع الأيدى مع هذا مظهرًا من مظاهر القناعة وعدم الحرص وكمال العقل.

(ومنها): تعويد النفس على احترام الغير، وتنزيل الناس منازلهم، وعلى رحمة المتبوع والرؤساء برعاياهم، فإن السنة أن لا يبتدئ الطعام ومعه من يستحق أن يبتدئه لكبر سن أو زيادة فضل.

(ومنها): تعويد النفس على حب المساواة وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وحملها على الابتعاد عن الظلم، فإن السنة أن يرفق كل واحد بأخيه فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله، فإن ذلك منهى عنه إن لم يكن موافقًا لرضا رفيقه مهما كان الطعام مشتركًا، فإن لكل منهما حقًّا لا يتعداه فلا يأكل لقمتين أو تمرتين دفعة واحدة فإن في ذلك إجحافًا بالرفقاء إلا إذا علم رضا الجميع (وهيهات أن يكون) خصوصًا إذا كان الطعام شهيًّا.

فعن جبلة بن سحيم قال: " أصابنا عام سنة مع ابن الزبير فرزقنا تمرًا، وكان عبد الله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل فيقول: لا تقارنوا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن القران ثم يقول: إلا أن يستأذن الرجل أخاه " متفق عليه، عام سنة: أي عام قحط وجدب.

(ومنها): أن في هذا الاجتماع تذكيرًا للمطلوب أول الأكل من البسملة وآخره من الحمدلة فقد ينسيه الشيطان ذلك فيذكره أخوه أو يقوم مقامه.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذ أكل أحدكم فليذكر اسم اللَّه تعالى فإن نسى أن يذكر اللَّه تعالى في أوله فليقل: بسم اللَّه أوله وآخره" رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح، فبمثل هذه الأسرار يتغيظ الشيطان إذا رأى هذه المظاهر فيفر ويتباعد عن الاجتماع، فهنالك تقع البركة في الطعام، عرف ذلك الشيطان فأخذ يكيد للناس فقتى لهم مواطن البركات وبدلها لهم ببدع وخيمة،

<<  <   >  >>