والجهل هو الذى يفرق بينهما، وقالت عائشة لرضى الله عنها:" أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم " رواه البخارى في كتاب الضعفاء، وهو صريح في أن الشبع بدعة محدثة، وسمن من باب طرب، وجمح بابه خضع.
(ومن العادات السيئة) انفراد كل من الحاضرين بآنية يأكل فيها ولا يجتمعون في الأكل من إناء واحد، وهذه العادة القبيحة انتشرت بين الأغنياء اليوم وسرت إليهم من تقليد الأجانب، وقد جاءت الشريعة بخلافها، فعن عمر رضي الله عنه مرفوعًا:"كلوا جميعًا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة" رواه ابن ماجه والبيهقي بإسناد حسن، وفى الحديث:"خير الطعام ما كثرت عليه الأيدى" رواه ابن حبان، والناس اليوم يرون أن أهنأ طعام وألطفه ما قلت عليه الأيدى؛ فلهذا حرموا بركة الاجتماع على الطعام، فعن وحشى بن حرب رضي الله عنه: أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع؟ قال:" فلعلكم تفترقون على طعامكم" قالوا: نعم، قال:" فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اللَّه يبارك
لكم فيه" رواه أبو داود بإسناد حسن، فانظر كيف حسن الشيطان للمترفين أن يستقذر كل واحد أخاه فلا يتناول الطعام معه من إناء واحد ويوهمه أنه ربما كان به داء معه لو شاركه يصيبه.
(وجملة القول) أن السنة تكثير الأيدى على الضعاء لو من أهله وخادمه فإن اجتماع الأنفاس وعظم الجمع من الأسباب التى نصبها الله سبحانه مفضية لفيض الرحمة ونزول غيث النعمة، وأن لاجتماع الأيدى على الطعام الواحد مزايا لا يستهان بها.
(منها): أنه مظهر من مظاهر الأنس والاتحاد، وأن هذه الأيدى المتعددة كأنها يد واحدة، ولذا ترى العامة إذا أرادوا الصفاء والوئام وتناسى الأحقاد والضغائن يتناولون الطعام من إناء واحد ليكون هذا شبه عقد مبايعة بينهم على الإخاء والصفاء، وألا يخون أحدهم صاحبه، حتى لو أخل أحدهم بحق الآخر ينعى عليه قائلًا: نحن أكلنا جميعًا (عيشًا وملحًا) حتى شرار اللصوص والفسقة لا يخونون من أكلوا عيشه، بل إذا اتفق