للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنه ابتدع فيه - صولة تخشى، ولا قوة يضعف أمامها حزب الله المفلحون، فسار الإسلام على استقامة وجرى على اجتماع وقوة. فالشاذ عنه مقهور مضطهد، والمخالف له منبوذ مقاطع، إلى أن أخذ اجتماعه في الافتراق الموعود، وقوته إلى الضعف المنتظر، وأخذ الشاذ عنه تقوى صولته، والمخالف يكثر سواده - ولا شك أن الغلبة للقوى - فتكالبت على سواد السنة البدع والأهواء (١).

فتفرق أكثرهم شيعًا وهذه سنة الله في خلقه، أن أهل الحق في جانب أهل الباطل قليل. قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (٢) وليتحقق ما أخبر به الصادق صلوات الله وسلامه عليه من عود وصف الغربة إليه، فإن الغربة لاتكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم. وذلك حين يصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وتصير السنة بدعة والبدعة سنة، وتقوم الناس على أهل السنة باللوم والتعنيف والتوبيخ والتقبيح. كما كان يقام على أهل البدعة، طمعًا من المبتدعة أن تجتمع كلمة الضلال ويأبى الله أن تجتمع حتى يأتى وعد الله، فلا تجتمع الفرق كلها على كثرتها على مخالفة السنة، كما لا يخفى على من عرف حياة الإسلام وأطواره إلى اليوم، بل لابد أن تثبت جماعة على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حتى يأتى أمر الله، غير أنهم لكثرة ما تناوشهم الفرق الضالة وتناصبهم العداوة والبغضاء استدعاء إلى موافقتهم لا يزالون في جهاد ونزاع ومدافعة وقراع. وبذلك يضاعف الله لهم الأجر الجزيل ويثيبهم الثواب العظيم.

وعلى الجملة فكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لم يتركا في سبيل الهداية قولًا لقائل، ولا أبقيا لغيرهما مجالًا يعتد به فيه، وإن الدين قد كمل، والسعادة الكبرى فيما وضع، وكل مطلوب فيما شرع، وما سوى ذلك مما خالفهما فضلال وبهتان،

وإفك وخسران، وإن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى، ظافر بكل الخير دنيا وأخرى. قام على صحة ذلك البرهان الذى لا شبهة فيه. ولكن من ألزم نفسه السير مع الجماعة التى سماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواد الأعظم في الوصف الذى كان عليه هو وأصحابه، وتجنب البدع التى بينها العلماء، وأراد


(١) من حكم الإمام على رضي الله عنه: "لا قيام للباطل إلَّا في غفلة الحق".
(٢) [سورة يوسف: الآية ١٠٣].

<<  <   >  >>