للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: "لا تتخذوا بيوتكم مقابر" أمر بتحرى النافلة في البيوت حتى لا تكون بمنزلة القبور، كما أن النهى عن اتخاذها تضمن النهى عن تحرى العبادة عند القبور، ولذا قال: فإن صلاتكم وتسليمكم مع بعدكم وقربكم سواء لا حاجة بكم إلى اتخاذها عيدًا، كما اتخذ المشركون من أهل الكتاب قبور أنبيائهم وصالحيهم عيدًا، فإن اتخاذ القبور عيدًا هو من أعمالهم التى كانوا عليها قبل ظهور الإسلام، وقد كانت لهم أعياد زمانية وأعياد مكانية أبطلها الله تعالى بالإسلام وعوض عن أعيادهم الزمانية عيدى الفطر والنحر وأيام منى، كما عوض عن أعيادهم المكانية الكعبة البيت الحرام وعرفات ومنى والمشاعر.

وأما الفاسد التى تنشأ عن ذلك فكثيرة:

(منها) أن النساء قد اتخذن ذلك ميدانًا لشهواتهن فيتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ويتزين للخروج إلى المقابر والأضرحة بأجمل زينة ويتهتكن بأقبح صورة: لا دين يمنعهن، ولا أدب يردعهن، وكثير منهن يركبن على الدواب في الذهاب والرجوع ويمسهن المكارى (العربجى) في إركابهن وإنزالهن وتقر المحادثة بينهما كأنه زوجها أو ذو محرم منها، وكثيرًا ما يشترك الرجال والنساء الأجانب في مركوب واحد على ازدحام شديد مع تمام التبرج والزينة. والتبرج: إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال الأجانب، وهو من أقبح البدع التى ستذهب بالقومية المصرية إن لم يتداركها الله بالغيورين العاملين. هذا في الذهاب والعودة.

(وأما) في حال زيارتهن للقبور فالأمر أشنع وأفظع فإنهن يخالطن الرجال مع كثرة الخلوات هناك وتيسر الدور وكشفهن لوجوههن، وهناك يختلط بهن الشرار من الشبان في مزاح ومداعبة وكثرة ضحك مع الغناء في موضع الخشية والاعتبار والذل، وخروجهن على هذه الأحوال نهارًا محل ريبة فكيف به ليلًا!؟

(وعلى الجملة) فما يترتب على خروجهن إلى المقابر من الفسوق والخروج عن حدود الآداب كثير مشاهد، يستغيث منه الدين وتتألم منه الإنسانية، ويذهب معه الحياء والمروءة وتتأذى به الأموات في قبورهم؛ لأن أرواحهم خرجت من النوم إلى اليقظة، ومن الهزل إلى الجد، وصارت لا تميل إلى مثل هذه السفاسف، بل

لا تهوى سوى الحق والكمال،

<<  <   >  >>